مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

خطؤنا الرئيسي في أسلوب تعليم الدين


الشيخ علي رضا بناهيان ..

خطؤنا الرئيسي في أسلوب تعليم الدين. طريقة تعليم الدين في مجتمعنا تعاني من مجموعة أخطاء جوهرية، أخطاء كثيراً ما تبرز في مختلف مراحل تعليم الدين.

الخطأ الأول. الطريقة الشائعة لتعليم الدين، لاسيما تلك المأخوذة من الأساليب الحوزوية، هي تلك التي يغلب عليها عِلمُ الكلام. وعلم الكلام يعمل على إثبات أنّ الله موجود، وأن هناك معاد. إنه يثبّت للإنسان أصل العقائد. وإنّ مَن يعلّم الدين بهذه الكيفية يحاول في العادة الوصول إلى نتيجة هي: بما أن الله موجود، وبما أنه يأمرُك، فإن عليك أن تطيعه، وإلا فستذهب إلى النار! فإذا كانت الطريقة بالشكل الذي ذكرتُه فإنها طبعاً ستترُك على الكثيرين أثراً سلبيّاً. والبديل هو أن نبدأ من احتياج الإنسان.
عوضاً عن إثبات الله فلنبدأ من حاجة الإنسان. لنقل: «أيها الإنسان، ما الذي تريده أنت؟ إنك بحاجة إلى أن تتمتّع، بل أن تبلغ قمة المتعة. إنك بحاجة إلى أن تكون عاشقاً، بل أن تكون عاشقاً بشدّة. إنك بحاجة إلى وصال معشوقك، بل إلى وصال من تعشقه وتحبّه بشكل جيّد ومريح وسريع. لاحظوا.. فلنشرع في تعليم الدين من هذه النقطة. ما المشلكة في ذلك؟ فلا ينبغي أن نبدأ تعليم الدين بالقول: «كم هي أصول الدين؟» بل علينا أولاً أن نقول: «أيها الإنسان، ما أنتَ؟». ولقد جاء في أحاديثنا قولهم: «مَن عرَفَ نفسَهُ فقَد عرَفَ رَبَّه.»
فنحن لا نبدأ بتوضيح الدين من حاجة الإنسان، بل من وجود الله! هذا وإن الكثير من الناس لا يستيقظ لديه حس الشعور بالحاجة إلى الله، بل إنك إن قلت له: «الله» هذا موجود، وهو يأمرُك، وإن لديه ناراً، فإن لم تُطِعهُ، أدخَلَك النار! فسيشعر لا محالة أنك تظلمه. إنك تُعلّم الدين لكن الأثر النفسي لهذا النمط من التعليم هو النفور من الدين!
"النفور من الدين" هو الأثر النفسي للنمط التقليدي لتعليم الدين
حقّاً، كيف ينبغي لنا أن نقارب الدين؟ ومن أين علينا أن نبدأ؟ الطريق الأول ذكرتُه لكم: «احتياج الإنسان.» طيّب، كيف نكتشف احتياجات الإنسان؟ هل يعرف الناس جميع احتياجاتهم؟ فإن عرفوها، فنبدأ من هذه الاحتياجات، وإن لم يعرفوها فنعمل على إيقاظها فيهم. لا بأس، فلنقم بذلك. فإن قُمنا بهذا فسوف ننجو أيضاً من الابتلاء بآفات الغربيين. فلماذا وقف الغربيون بوجه الدين؟ لأنهم شاهدوا أنه لا يُلَبّي احتياجاتهم. فتفشّت العلمانية في كافة مجالات الحياة وعلى جميع أصعدة المعرفة.
فإذا شرَعنا من احتياجات البشر فسيُصغي إلينا الغربيُّ أيضاً ويقول: أحسنت، أحسنت.. إنك تنظر إلَيَّ قبل أن تنظر إلى الله! فنقول: أجل، لِمَ لا؟ لا بد أن ننظر إليك. إنك لأنت المرآة التي تعكس الله بتمامه. يقول تعالى: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا». وأنت الذي في كيانك الكتابُ الذي خَطَّه التوحيد. فمهمة الأنبياء لم تكن إلا لِـ«يُثِيرُوا لَهُمْ‏ دَفَائِنَ‏ الْعُقُول.» فالأنبياء إنّما جاؤوا ليستخرجوا ما هو مدفون في عقول البشر. فالدين لا يُضيف إلى الإنسان شيئاً من الخارج، «إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر» أنت، أيها النبي، لستَ إلا مُذَكِّراً. فهذا الإنسان المتلقّي لرسالتك يملك كل شيء. قسماً بالله حتى المتأثّرين بالمذهب الإنساني سيأنسون بهذا الكلام قائلين: «إنكَ تطرح كلاماً جديداً! نعم.. استمر.»


الخطأ الثاني في تعليمنا للدين هو «إثباتُ الله» عوضاً عن «وَصف الله». الخطأ الآخر المرتكَب عموماً في مناهجنا لتعليم الدين هو أنهم يثبتون «أن الله موجود» دون أن يوضّحوا «مَن هو الله؟» وهذا أمر سيّئ للغاية، وهو أشبه بقصة الفتى الذي يريد خطبة فتاة فنأتي لنُثبت له ضرورة الزواج! يقول: «حسنٌ، عرِّفني بفتاة إذن.»
فنقول: «هناك فتيات صالحات، عموماً.»
فيقول: «أنا تعرّفتُ على واحدة، فهلاّ سألتَ لي عنها؟»
فنقول له: «نحن لا ندخل في التفاصيل. فلتقتنع أنتَ بأصل الزواج عموماً!»
فيقول: «يا أخي، أنا مقتنع.. قتلتَني.. دمّرتَني.. كفى! فقط اعثَر لي على فتاة، ثم صِفها لي. افرض أنّي لم أقتنع بأصل الزواج! جيّد؟ أنت فقط عَرِّف لي فتاة، ودعها تخطف قلبي، وأنا سأقنِع نفسي بالزواج.»
ففي أصول العقائد يتم الإصرار على إثبات: «أن الله موجود،» فيقال: «طيّب، قتَلتَنا!» يا أخي، قل له: من هو الله؟ ما هو الله؟ ما هي أوصافُه؟ فإذا جاءَه أحدٌ ليقول له، محاولاً إلقاء الشك في نفسه: الله غير موجود، أو قال له: هناك إلهان، أو ثلاثة ونصف، أو واحد ونصف، فسينتفض ويرُدّ عليه بنفسه. إنه سيدافع عن «الله» الذي يحبه، بعد أن استيقظَت فطرتُه وبات يقول: أنا أيضاً كنتُ أفتش عن شيء كهذا.

فالجماعة يثبتون المعاد لكنهم لا يوضّحون ما الذي يحصل هناك! يقول تعالى: «لَهِيَ الْحَيَوَان» فالحياة هناك.. وأصلُ العيش هناك! فلتُجرُوا استطلاعاً للرأي.. مع الحاضرين في هذا المجلس مثلاً. اسألوا: ما هو تصوركم عن الجنة؟ سأخبركم ما هي الإجابة الكاريكاتيرية: الجواب: «الجنة، يا هذا، مكان جيد. فمن جهة هناك نهر من لبن، ومن جهة أخرى هناك نهر من عسل. ثم إن الملائكة تخلط اللبن بالعسل، فيأتي هذا بالعسل ويأتي ذاك باللبن.»
ـ «حسنٌ، ثم ماذا؟»
ـ «ثمّ.. ... لا شيء!»
فلو أننا - عوضاً عن مجرد القول «الله موجود» - قلنا: «مَن هو الله» فهذا أفضل. ولو أننا، بدلاً من مجرّد إثبات المعاد، قلنا ما هي الآخرة، وكيف تكون الحياة في الآخرة، فسوف لا يكون كلامنا مُمِلاً، بل أفضل. وأمثال هذا الأسلوب من الكلام في القرآن الكريم كثيرة. فالقرآن كتاب الله، لكنه يبيّن لك: متى يستاء الله، ومتى يفرح، وماذا يحب، وإلى ماذا ينظر، ومع مَن يتكلم، ومع مَن لا يتكلم أبداً، بل وكيف يكون جوابه لبعض الناس، وكيف يتعامل مع هؤلاء، وكيف يتعاطى مع أولئك، كم هو متكبّر، وكم هو رؤوف. هذان خطآن في المنهج التقليدي لبيان الدين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد