مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

الارتفاع إلى مستوى الخطاب الحسيني

وبعد.. فإن علينا أن نرتفع بالناس إلى مستوى الخطاب الحسيني، من خلال تبني مناهج تربوية وتثقيفية في مجالات العقيدة والإيمان، تهتم بتعريف الناس على المعايير والضوابط المعرفية والإيمانية، وتقدم لهم ثقافة تجعلهم يطلون من خلالها على مختلف حقائق هذا الدين، وعلى آفاقه الرّحبة، وليميزوا من خلال هذه الثقافة بالذات بين الأصيل والدخيل وبين الخالص والزائف في كل ما يعرض عليهم، أو يواجههم، في مختلف شؤون الدين والتاريخ والحياة.

 

وليخرجوا بذلك عن أسر هذا الذي أدخل في وعيهم عن طريق التلقين الذكي: أن الإسلام مجرد سياسة، واقتصاد، وعبادة، وأخلاق، وعلاقات اجتماعية.. فهو أشبه بالقانون منه بالدين الإلهي، لأن هذا الفهم يهيئ لعملية فصل خطيرة للشريعة عن واقع المعارف الشاملة والمتنوعة، التي ترفد ذلك كله وسواه، وتشكل - بمجموعها - قاعدة إيمانية صلبة، تفتح أمام هذا الإنسان آفاقاً يشتاق إلى اقتحامها، وتعطيه مزيداً من الإحساس بالغيب، والمزيد من الأهلية والقدرة على التعامل معه، وإدخاله إلى الحياة، ما دام أن الإنسان لن يسعد ولن يذوق طعم الحياة الحقيقية بدونه..

 

وأن أبسط ما يفرضه علينا هذا الأمر، هو أن لا نُقَدِم الأئمة عليهم السلام للناس على أنهم مجرد شخصيات تتميز بالذكاء الخارق، والعبقرية النادرة، قد عاشت في التاريخ، وكانت لها سياساتها، وعباداتها، وأخلاقها، وعلاقاتها الاجتماعية.. ثم ما وراء عبادان قرية..

 

بل علينا أن نعرفهم لهم بأنهم فوق ذلك كله، إنهم أناس إلهيون بكل ما لهذه الكلمة من معنى وأن نلخص لهم - وفق تلك البرامج التثقيفية والتربوية التي أشرنا إليها - كل المعارف التي وردت في كتاب الكافي الشريف، وفي كتاب البحار على سبيل المثال، ولو على سبيل الفهرسة الإجمالية للمضامين لتمر على مسامعهم أكثر من مرة - إن أمكن، لأن المعصومين عليهم السلام  ما قالوا شيئاً ليبقى مغيباً في بطون الكتب والموسوعات، بل أرادوا له أن يصل إلينا وأن يدخل في حياتنا ويصبح جزءاً من وجودنا كله.

 

فلا بد إذن من إعداد ذهنية الإنسان المسلم، وروحه وعقله لتقبل هذه المعارف، وللتعامل معها، من خلال معاييرها ومنطلقاتها الإيمانية والعلمية الصحيحة.

 

كما أن ذلك يعطي الفرصة للإنسان المؤمن ليستمع أو يطلع على الكثير مما قاله قرآنه وأنبياؤه وأئمته المعصومون عن السماء والعالم، وعن الخلق والتكوين، وعن الآخرة والدنيا، وعن كل شيء، نعم كل شيء.

 

ولسوف يجد في ذلك كله ما يحفزه للسؤال عن المزيد، ويفتح أمام عينيه آفاقاً رحبة، يجد نفسه ملزماً باستكناه كثير من جوانبها، واكتشاف ما أمكنه اكتشافه من حقائقها.

 

أسلوب الانتقاء إدانة مبطنة:

 

وغني عن القول: إن انتهاج أسلوب الانتقاء والاستنساب العشوائي، الذي قد يكون خاضعاً لظرف سياسي، أو نفسي، أو لقصور في الوعي الديني، أو لغير ذلك من أمور؛ إن انتهاج هذا الأسلوب من شأنه أن يعطي الانطباع السيء عن كثير من مفردات الثقافة الإيمانية الصحيحة، من خلال ما يستبطنه من إدانة أو اتهام لكل نص لم يقع في دائرة الاستنساب هذه، الأمر الذي ينتهي بحرمان الآخرين من فرصة التفكير المنطقي في شأن التراث، بالاستناد إلى المبررات العلمية، والتزام الضوابط والمعايير المقبولة والمعقولة، بعيداً عن أي إيحاء يهيئ لحالة نفرة غير منطقية من كثير من النصوص التي تواجهنا ونواجهها في سيرتنا الثقافية والإيمانية.

 

وكذلك بعيداً عن كل أساليب التهويل والتضخيم، حتى ولو بالصوت الرنان، والنبرات الحادة، وعن تهويلات وإيحاءات اليد في إشاراتها وحركاتها، والوجه في تقبضاته وتجهماته.. فضلاً عن اللسان ولذعاته، وما إلى ذلك من أمور، فإن ذلك لن يفيد شيئاً في تأكيد حقانية أمر، وفرض الالتزام به، ولا في استبعاد ما عداه، والتنكر له، بل تبقى الكلمة الفصل للفكر الأصيل، وللبحث الموضوعي، وللدلائل والشواهد القوية والحاسمة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد