«اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَيَبِّسْ أَصْلَابَ رِجَالِهِمْ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، لَا تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ، وَلَا لِأَرْضِهِمْ فِي نَبَاتٍ».. (من دعاء أهل الثغور للإمام زين العابدين عليه السلام).
اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ:
فقد طلب الإمام «عليه السلام» من الله سبحانه أن تصاب أرحام نساء العدو بالعقم، لأن هذه النعم، التي يفترض أن تشكر، قد أصبحت توظف في تدمير الإنسان والإنسانية.. فما المانع من أن يسعى المحارب إلى حرمانهم من هذه النعم، إن لم يكن بالوسائل المعقولة، فبالطلب إلى الله ليتدخل في هذا الأمر؟! وذلك قد يكون في بعض وجوهه إحساناً للبشرية، بل هو إحسان حتى للعدو أيضاً..
ونحن نشهد في إعلام أعدائنا حرصاً ظاهراً على انتهاج هذا الأسلوب، من خلال تحريض المجتمعات الإسلامية على استعمال وسائل منع الحمل، أو اللجوء إلى استئصال أرحام النساء، أو نحو ذلك. ويدخل في ذلك تخويفهم من سوء الحالة الاقتصادية، وقلة مواردهم الطبيعية، أو تخويفهم من بعض الأمراض، أو غير ذلك.. ربما لأنهم يعتقدون: أن منعنا من التكاثر عن طريق الولادة، ولو بتحريضنا على استخدام أسباب العقم، يكون أقل كلفة عليهم وأقل إيلاماً لنا..
وَيَبِّسْ أَصْلابَ رِجَالِهِمْ:
وهنا أمران طلب الإمام «عليه السلام» من الله تبارك وتعالى أن يوقعهما في أعدائه، لدفع شرهم عن البشر، وهما:
الأول: إنه «عليه السلام» لم يكتف بطلب مجرد دفع الولادات، بل طلب أيضاً إصابة الأرحام بالعقم، وفقدان القابلية، وعدم إمكان إعادتها إلى حالتها الطبيعية.
الثاني: إنه «عليه السلام» لم يكتف بطلب عقم أرحام النساء، حتى طلب يبس أصلاب الرجال أيضاً، مع أنه قد يتوهم كفاية الأول عن الثاني..
ربما يكون سبب رفع مستوى الطلب إلى حد عقم الأرحام، ويبس الأصلاب هو: أن يشعر الرجال والنساء بالخطر على أصل بقائهم، وأن يقوم لديهم احتمال استجابة هذا الدعاء، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدانهم أي وسيلة للامتداد في الحياة، فلا يكون لهم نسل يأنسون به، أو يعتمدون عليه، فهم إن بقوا بقوا بلا معين، ولا حبيب، ولا امتداد، وإن قتلوا انقطع ذكرهم، وحرموا حتى من البقية الباقية من حياتهم أيضاً.
وذلك يشعرهم بالهزيمة نفسياً، وبالحاجة إلى التراجع عن مواقع الخطر، ويقلل من ميلهم إلى الحرب.. أي أن المطلوب هو: التأثير على الأعداء نفسياً، حين يسمعون أو يعرفون بأن أهل الإيمان يطلبون ذلك..
وأما إذا حصل منهم شيء من هذا القبيل، واقتنعوا بأن الله تعالى هو الذي حرمهم من الذرية، فإن المصيبة عليهم ستكون أشد وأعظم، لأن ذلك معناه صيرورتهم في دائرة الغضب الإلهي، الذي أوجب حرمان الله لهم حتى من أضعف خيوط الأمل. وبذلك تضعف ثقتهم بحقانية ما هم عليه، ويتضاءل ميلهم للحرب أيضاً إلى أدنى المستويات..
وقد يجد المرء لدى أعدائنا محاولات جادة لتلويث المياه والأطعمة، وغيرها، بما يوجب عقم النساء، ويباس أصلاب الرجال..
وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ:
ولا يزال أعداء أهل الإيمان يسعون إلى قطع نسل الدواب التي تعين المسلمين على قضاء حاجاتهم، والأنعام التي يستفيدون من نتاجها في معاشهم، فلماذا لا يقابلهم أهل الإيمان بالمثل، ولو بأن يطلبوا من الله تعالى أن يوجد الوسيلة لمنع دوابهم التي يستعينون بها في قضاء حاجاتهم، ومنع أنعامهم - التي يعتاشون على نتاجها، وتتعلق آمالهم بها - من النتاج.. وأن ينقطع نسلها لكي تصبح البقية الباقية من حياتهم أيضاً إما في خطر أكيد، أو في غاية الصعوبة والمشقة، الأمر الذي يثير لديهم احتمالات مرعبة حول مستقبلهم؟!
لا تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ:
وبعد.. فإن للوضع الاقتصادي دوراً مفصلياً في الميل إلى الحروب، وفي مواصلتها.. فتسديد ضربات موجعة في هذا الاتجاه، يختصر الطريق إلى النصر، ويؤدي إلى حسم الأمور لصالح أهل الإيمان.. ولذلك يفرح الأعداء إذا شحت الأمطار في بلاد أهل الإيمان، وأصيبت بالجفاف، لأن المياه تعد من أهم مصادر الأمن الاقتصادي..
فإذا أمكن حرمان العدو من مصادر المياه، فذلك يضطره إلى التخلي عن الحرب، خصوصاً إذا كان ذلك يضر بالزراعة والماشية، وسائر أنواع الري، وقد يصل الأمر إلى محدودية مياه الشرب والصرف الصحي، وغير ذلك.. فلذلك دعا «عليه السلام» بأن تحبس عنهم السماء قطرها، في إشارة منه «عليه السلام» إلى أهمية وحساسية هذا الأمر، وأثره في مصير الحرب.
ويلاحظ: أن الدعاء اختص بسماء الأعداء، فقال: «لسمائهم» دون مطلق السماء. كما أن الحديث إنما هو عن حجب الإذن بذلك، ولم يطلب أن تغور مياههم في الأرض، ولا إمطارهم بالنوازل والكوارث مثلاً.
كما أن الحديث كان عن القطر لا عن المطر، ربما ليشعروا أن المطلوب هو منعهم حتى من قطرات الماء، الذي قد لا يعد مطراً إلا إذا كثر وتواصل.. فطلب منع المطر الذي هو أغزر يكون بطريق أولى.. أو فقل: إن التعبير بالقطر يشير إلى انفصال كل نقطة عن مثيلتها، مما يوحي بالانفراد وبالقلة..
ونزول القطر من شأنه أن يبعث البهجة في النفس، ويوحي بانفراج الأزمة، ووجود الاستعداد للأمطار، ويعطي الأمل.. أما حجبه، فيقود إلى اليأس منه. والشعور بالخطورة، ويدعو إلى السعي للخروج من المأزق.
وَلا لأَرْضِهِمْ فِي نَبَاتٍ:
وإذا ضرب البلاد القحط، ولم يؤذن للسماء في قطر، ولا للأرض في نبات، فذلك يزيد في تردد العدو في الدخول في حرب، ويثنيه عن مواصلة الحرب التي دخل فيها. ولأجل ذلك يحاول الأعداء تزهيدنا باستصلاح الأرض وبالزراعة. ويحاولون الاستئثار بالمياه لأنفسهم، وقطعها عنا، ويحاولون ضرب سدودنا، أو دفعنا إلى كل ما من شأنه تعطيل الأرض، وإخراجها عن الصلاحية للزراعة.
فلماذا لا يجوز لنا أن نسعى إلى ذلك، ولو بأن نطلب من الله تعالى أن يفعل بهم ذلك، فإنه أولى من إزهاق الأرواح، وإتلاف النفوس، وما إلى ذلك من مصائب وبلايا؟!
وخلاصة الأمر: إن الرخاء الاقتصادي، يشجع الطامعين والطامحين إلى شن الحروب، والإمعان في التدمير، والهد . والضيق الاقتصادي يدعوهم إلى التروي والتردد في الدخول في مخاطرات ومتاهات الحرب، وتحمل أعبائها، والتعرض لاحتمالات النكسات فيها.
وقد يقال: إن هذا لا ينسجم مع ما ورد في وصايا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعلي «عليه السلام» لجنده، ففيها: «ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله» (1).
وفي نص آخر: «لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً، إلا أن تضطروا إليها» (2).
وقال أبو الصلاح: لا يجوز حرق الزرع، ولا قطع الشجر، ولا قتل البهائم.
ويجاب: بأن الدعاء الشريف لم يتحدث عن قطع الشجر، ولا عن قتل المرأة، والشيخ، والطفل، بل طلب من الله تعالى التسبب في العقم للمرأة، ويباس أصلاب الرجال، ومنع الأرض من الإنبات، وشتان ما بين هذا وذاك. وما ذكرناه أيضاً: لم يتضمن قطع الأشجار، ولا قتل النساء، ولا غير ذلك.. فليلاحظ ذلك..
على أن ذلك إن كان يحرم، فإنما يحرم في صورة الإقدام عليه مع عدم الحاجة إليه، أي أن النهي إنما هو عن إحراق الأشجار على سبيل العبث والفساد في الأرض، ولا نهي عن إحراقه في صورة الاحتياج إليه، أو لأجل تحقيق النصر، ومنع القتل..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج 5 ص 29 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 138 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج 15 ص 59 و (ط دار الإسلامية) ج 11 ص 44 والبحار ج 19 ص 179 وسنن النبي «صلى الله عليه وآله» للطباطبائي ص 138 وشرح النهج للمعتزلي ج 17 ص 184 وراجع: كنز العمال ج 4 ص 475 وج 10 ص 579.
(2) المحاسن للبرقي ج 2 ص 355 والكافي ج 5 ص 27 و 30 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 138 و 139 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج 15 ص 58 و (ط دار الإسلامية) ج 11 ص 43 والبحار ج 19 ص 177 وج 97 ص 25 وتفسير نور الثقلين ج 2 ص 188 وراجع: سنن أبي داود ج 1 ص 588 والمصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 654 والدر المنثور ج 1 ص 205.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
محمد رضا اللواتي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
د. سيد جاسم العلوي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
قصة أصحاب الكهف في القرآن
إحياء الموسم الحسيني... حياة
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)
الفجوة بين عمر الدماغ الزمني والبيولوجي وتأثيرها على التفكير والذاكرة
الحالة العامة في معسكر الأعداء (2)
زكي السالم: جرّب أن تكون اللّغة آخر همّك
الصبر والثبات في أيام الشدّة
سؤال عن أخلاق مرحلة (ما بعد الإنسانية)
كيف نواجه الأزمات والابتلاءات؟
رحلة إلى بلاد الألف ملّة