من فرائض الإسلام الكبرى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد ورد تشريع هذه الفريضة في الكتاب الكريم والسنة الشريفة في عدة نصوص دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع المسلمين بنحو الواجب الكفائي.
كما وردت نصوص أخرى كثيرة في الكتاب والسنة، منها ما يشتمل على بيان الشروط التي يتنجز بها وجوب هذه الفريضة على المسلم. ومنها ما يضيء الجوانب السياسية والاجتماعية لهذه الفريضة، كما يوضح المبدأ الفكري الإسلامي العام الذي ينبثق منه هذا التشريع، دل على وجوب هذه الفريضة من الكتاب الكريم قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أولئك هم المفلحون) (1).
فقد دلت هذه الآية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة دلالة لام الأمر في ولتكن على الوجوب. كما أن ظاهرها أن الواجب هنا كفائي لا عيني، لأن مفاد الأمر تعلّق بأن تكون في المسلمين أمة تأمر وتنهى، لا بجميعهم على نحو العينية الاستغراقية، وعليه فإذا قامت جماعة منهم بهذا الواجب سقط الوجوب عن بقية المكلفين كما هو الشأن في الواجب الكفائي.
ولم يحدد في القرآن والسنة عدد مخصوص لأفراد هذه الأمة، فيراعى في عدد الأفراد القائمين بالواجب مقدار الوفاء بالحاجة. وقد جعل الله تعالى في كتابه الكريم وعي هذه الفريضة، وأداءها حين يدعو وضع المجتمع إلى ذلك، من صفات المؤمنين الصالحين، فقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (2).
فقد دلت الآية المباركة على تضامن المؤمنين بعضهم مع بعض في عمل الخير والبر والتقوى، وأنهم جميعًا من جنود هذه الفريضة حين يدعوهم الواجب إليها. وسياق الآية الكريمة دال على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من حيث أن بقية ما ورد في الآية كله من الواجبات المعلومة في الشريعة (الصلاة، والزكاة، وطاعة الله ورسوله) (3)، وإن لم تكن الدلالة السياقية من الدلالات التي لها حجية في استظهار الأحكام الشرعية.
وكما ورد مدح المؤمنين والمؤمنات - كأفراد - في الآية الآنفة، فقد ورد في آية أخرى مدح المسلمين كافة - كأمة ومجتمع - من حيث وعيهم لهذه الفريضة وعملهم بها، وتلك هي قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله) (4).
وقد مدح الله في كتابه الكريم المسلمين من أهل الكتاب، أتباع الأنبياء السابقين قبل بعثة النبي محمد (ص) بوعيهم لهذه الفريضة والعمل بها، مما يكشف عن أنها فريضة عريقة في الإسلام منذ أقدم عصوره وصيغه، وأنها قد كانت فريضة ثابتة في جميع مراحله التشريعية التي جاء بها أنبياء الله تعالى جيلاً بعد جيل. قال تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) (5)....
ويقدّر الإمام عليّ عليه السلام أن كثيرًا من الناس يتخاذلون عن ممارسة هذا الواجب الكبير فلا يأمرون بالمعروف تاركه، ولا ينهون عن المنكر فاعله، بسبب ما يتوهمون من أداء ذلك إلى الإضرار بهم: أن يعرضوا حياتهم للخطر، أو يعرضوا علاقاتهم الاجتماعية للاهتزاز والقلق، أو يعرضوا مصادر عيشهم للانقطاع... وما إلى ذلك من شؤون.
وقد لحظ الشارع هذه المخاوف، فجعل من شروط وجوب الأمر والنهي عن المنكر عدم ترتب ضرر معتد به على الآمر والناهي. ولكنّ كثيرًا من الناس لا يريدون أن يمسهم أي أذى أو كدر. وهذا موقف ذاتي وأناني شديد الغلو لا يمكن القبول به من إنسان يفترض فيه أنه ملتزم بقضايا مجتمعه كما هو شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. فهو إنسان يستبد به القلق لأي انحراف يراه، ويدفعه قلقه وأخلاقه إلى أن يتصدى للانحراف بالشكل المناسب...
لقد نبّه الإمام عليه السلام في موضعين من نهج البلاغة على أن التخاذل عن الأمر والنهي خشية التعرض للأذى ناشئ عن أوهام ينبغي أن يتجاوزها المؤمن الملتزم بقضية مجتمعه، فلا يجعلها هاجسه الذي يشله فيحول بينه وبين الحركة المباركة المثمرة، فقال الإمام فيما خاطب به أهل البصرة في إحدى خطبه، وقد كانوا بحاجة إلى هذا التوجيه، لما شهدته مدينتهم، وتورط فيه كثير منهم من فتنة الجمل: وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه، وإنهما لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق (6).
ونوجه النظر إلى قوله عليه السلام أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله عز وجل، فالله هو الآمر بكل معروف، والناهي عن كل منكر، وإذن، فإن المؤمن الملتزم بقضية مجتمعه الواعي للأخطار المحدقة به، يمتثل - حين يأمر وينهى - لله تعالى ويتبع سبيله الأقوم. وقال الإمام في موقف آخر: وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). سورة آل عمران (مدنية - 3) الآية: 104.
(2). سورة التوبة (مدنية - 9) الآية: 71.
(3). ربما يكون المراد من طاعة الله ورسوله، بعد ذكر الأمر والنهي والصلاة والزكاة - الطاعة في الشأن السياسي، فلا يكون من ذكر العام بعد الخاص.
(4). سورة آل عمران 110
(5). سورة آل عمران الآية 113-114
(6). نهج البلاغة - رقم الخطبة 156.
(7). نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النص 374.
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
ختم الله على قلوبهم
أيهما أكثر صحّة، النّوم على الظّهر أم على أحد الجانبين؟
الدبوس، ضيف مجلس الزّهراء وحديث حول الإصابات الرّياضيّة
الابتلاء ومعنى ربطه بحبّ الله للعبد
تاريخ أصول الحديث
ضرورة الإمامة
الجوهر الفرد
بعض مصاديق الشّرك الخفي وعلائمه
زهور المستقبل، يحتفي بذوي الاحتياجات الخاصّة
السّنن التي تحكم المجتمع والتّاريخ من منظور قرآنيّ