
الشيخ علي رضا بناهيان
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان ميلاده بمعجزة وكرامة عظيمة بحيث قد انشقّ له جدار الكعبة، الأمر الذي لم يحدث حتى في ميلاد عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وبعد مضي 1400 سنة ما زال أثر الانشقاق موجودًا على جدار الكعبة وقبلة المسلمين، فليت شعري كيف كانت شهادة هذا الإمام الذي انشق جدار الكعبة له في مولده؟
أحد أذكار هذه الليلة هو لعن قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام). أفليس الفكر في شخصية قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) من أهمّ المواضيع التي يجب أن نفكّر فيها هذه الليلة؟ وهل يمكن أن يكون استشهاد هذا الرجل العظيم حدثًا طارئًا وصدفة بعد ما كان مولده مصحوبًا بتلك المعجزة العظيمة؟ إن هذا الرجل الذي شاء الله أن يعرض معجزة مولده لجميع الناس وللتاريخ، أفلا يريد أن يعطينا رسالة عبر حدث استشهاده؟! أفلا يريد الله سبحانه وتعالى أن يسلّط الضوء على شخصية قاتل علي (عليه السلام) وأن يقول لنا: «انظروا من الذي قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)»؟
لابدّ لنا أن نفكّر في موضوع حسن العاقبة، وهي تعتبر القضيّة الرئيسية التي يجب أن تشغل بالنا في هذه الليلة؟ الليلة هي ليلة التفكّر في مسألة «حسن العاقبة» من جانبين: الجانب الأول هو أن ابن ملجم الذي كان بحسب الظاهر أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الأوفياء ومن المعتمدين لديه، ولكنّه أصبح قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام). والجانب الثاني هو عندما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليًّا بأنه: سوف تخضّب لحيتك بدمك، سأله أمير المؤمنين (عليه السلام) مباشرة: «وذلك في سلامة من ديني؟»؛ «فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا یُبْکِیكَ؟ فَقَالَ: یَا عَلِيُّ أَبْکِي لِمَا یُسْتَحَلُّ مِنْكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ کَأَنّي بِكَ وَ أَنْتَ تُصَلِّي لِرَبِّكَ ... فَضَرَبَكَ ضَرْبَةً عَلَى قَرْنِكَ فَخَضَبَ مِنْهَا لِحْیَتَكَ. قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام: فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ ذَلِكَ فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِینِي؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِینِكَ» [أمالي الصدوق/93]
انظروا إلى هذا الرجل الذي قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حقّه: «عَلِیٌّ قَسِیمُ الْجَنَّةِ وَالنَّار» [تفسير القمي/2/324]، كيف كان خائفًا على حسن عاقبته، فما بالك بحالنا؟! هذا هو الشعور الذي يجب أن يعيشه المؤمن طيلة حياته فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا یَزالُ المُؤمِنُ خائِفاً مِن سُوءِ العاقِبَةِ» [ميزان الحكمة/4772]
عندما ننظر إلى حسن سابقة ابن ملجم، يتحتّم علينا أن نخاف على حسن عاقبتنا
في هذه الليلة عندما ننظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وخوفه على حسن عاقبته، يجب أن تعترينا حالة من الذهول، وكذلك يجب أن نمتلئ رعبًا وخوفًا بمشاهدة عاقبة ابن ملجم. فليت شعري كيف ساءت عاقبة هذا الإنسان الذي كانت له تلك السابقة الحسنة حتى صار أشقى الأشقياء؛ «قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِیَاءِ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَالْآخِرِین» [إقبال الأعمال/1/296] بحيث إن دركته في جهنم أنزل من دركة الشيطان. لم يكن ابن ملجم غافلًا أو من عوام الناس. كان من مقرئي القرآن. كان أحد أساتذة القرآن وفقيهًا بحيث قد أعطي بيتًا وسيعًا في المدينة ليسع جلسات القرآن وليقدر على تدريس الناس القرآنَ فيه، وليتسنّى للناس أن يجتمعوا في بيته لتعلّم القرآن.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة أن يعرّفنا على شخصية ابن ملجم، وذلك لكي لا نرح بالنا ولا نأمن من سوء العاقبة.
بعدما بايع الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) وتسلم علي (عليه السلام) زمام الخلافة، أرسل كتابًا إلى والي اليمن أن يأخذ له البيعة من الناس وأن يرسل إليه عشرة من خيار أهل اليمن؛ «وَأَنْفِذْ إِلَيَّ مِنْهُمْ عَشَرَةً يَكُونُونَ مِنْ عُقَلَائِهِمْ وَفُصَحَائِهِمْ وَثِقَاتِهِمْ مِمَّنْ يَكُونُ أَشَدَّهُمْ عَوْناً مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالشَّجَاعَةِ عَارِفِينَ بِاللَّهِ عَالِمِينَ بِأَدْيَانِهِمْ وَمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ وَأَجْوَدَهُمْ رَأْيا» [بحار الأنوار/ج42/260] فنفذ الوالي أمر الإمام وأخذ من الناس البيعة و« قَالَ لَهُمْ أُرِيدُ مِنْكُمْ عَشَرَةً مِنْ رُؤَسَائِكُمْ وَشُجْعَانِكُمْ أُنْفِذُهُمْ إِلَيْهِ كَمَا أَمَرَنِي بِهِ فَقَالُوا سَمْعاً وَطَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَةً ثُمَ مِنَ الْمِائَةِ سَبْعِينَ ثُمَّ مِنَ السَّبْعِينَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ مِنَ الثَّلَاثِينَ عَشَرَةً فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ وَخَرَجُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ فَلَمَّا أَتَوْهُ عليه السلام سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهَنَّئُوهُ بِالْخِلَافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ وَرَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْبَدْرُ التَّمَامُ وَاللَّيْثُ الْهُمَامُ وَالْبَطَلُ الضِّرْغَامُ وَالْفَارِسُ الْقَمْقَام...» [المصدر نفسه]
بعد ما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام) وألقوا القبض عليه قال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَبِئْسَ الْإِمَامُ کُنْتُ لَكَ حَتَّى جَازَیْتَنِي بِهَذَا الْجَزَاءِ أَلَمْ أَکُنْ شَفِیقاً عَلَیْكَ وَآثَرْتُكَ عَلَى غَیْرِكَ وَأَحْسَنْتُ إِلَیكَ وَزِدْتُ فِی إِعْطَائِكَ أَلَمْ یَکُنْ یُقَالُ لِي فِیكَ کَذَا وَکَذَا فَخَلَّیْتُ لَكَ السَّبِیلَ وَمَنَحْتُكَ عَطَائِی» [بحارالأنوار/ج42/ص287]
لقد تحبّب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابن ملجم حتى جاء في النصوص أنه: «فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مَرِضَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَرَضاً شَدِیداً فَذَهَبُوا وَتَرَکُوهُ فَلَمَّا بَرَأَ أَتَى أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام وَکَانَ لَا یُفَارِقُهُ لَیْلًا وَلَا نَهَاراً وَیُسَارِعُ فِی قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَکَانَ عليه السلام یُکْرِمُهُ وَیَدْعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ یُقَرِّبُهُ» [بحار الأنوار/ج42/ص262]
في هذه المجالس المعنويّة في ليالي شهر رمضان، تفرحون بطبيعة الحال إذا رأيتم شابًّا غير ظاهر عليه سيماء المتديّنين قد لجأ إلى الله ويتضرّع إليه باكيًا، ولكنّي أفرح أكثر عندما أرى شابّا متديّنًا يبكي. فلعلّ الله يغفر لذلك الشابّ غير المتديّن ولكن ليكن خوفك من المتدينين إذ لا يدرى كيف يكون مصيرهم؟ فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَکَمْ مِنْ عَاکِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَیْرٍ وَکَمْ مِنْ مُقْبِلٍ عَلَى عَمَلِهِ مُفْسِدٍ فِی آخِرِ عُمُرِهِ صَائِرٌ إِلَى النَّارِ» [تحف العقول/ص91]
المتدينون الذين لا يضجّون إلى الله، فهم في معرض الخطر/ أنا لا أخاف من أهل الفسق في الشوارع بقدر ما أخاف من المتدينين الذين لا يبكون ولا يتضرعون إلى الله.
إن هذه الليلة هي ليلة بكاء المتديّنين وضجيجهم إلى الله وليلة تضرّع أولئك الذين لهم تاريخ حسن ويدّعون أنهم على شيء. لماذا؟ لأنه حتى قاتل الإمام الحسين(عليه السلام) إذا تصفحتم ملفّه وتاريخه لعثرتم على سوابق الجهاد والإصابة بالجروح في جبهات الحق. وأمّا قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو ابن ملجم الذي ذكرنا لكم صفته. إذن لابدّ أن نخاف على أنفسنا من تاريخنا الحسن والزاهر.
 من آيات عظمة الله سبحانه
                    
                        من آيات عظمة الله سبحانه                    
                    
                        الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
 أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
                    
                        أَمَرْنا مُتْرَفِيها!                    
                    
                        الشيخ محمد جواد مغنية
 كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟
                    
                        كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟                    
                    
                        السيد عباس نور الدين
 سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه
                    
                        سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه                    
                    
                        عدنان الحاجي
 أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!
                    
                        أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!                    
                    
                        الشيخ علي رضا بناهيان
 رأس العبادة، آدابٌ للدعاء
                    
                        رأس العبادة، آدابٌ للدعاء                    
                    
                        الشيخ شفيق جرادي
 معنى (سقف) في القرآن الكريم
                    
                        معنى (سقف) في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ حسن المصطفوي
 الملائكة وسائط في التدبير
                    
                        الملائكة وسائط في التدبير                    
                    
                        السيد محمد حسين الطبطبائي
 البحث التاريخي
                    
                        البحث التاريخي                    
                    
                        السيد جعفر مرتضى
 الكلمات في القرآن الكريم
                    
                        الكلمات في القرآن الكريم                    
                    
                        الشيخ جعفر السبحاني
 السيدة زينب: بهاء من ملكوت الطّفّ
                    
                        السيدة زينب: بهاء من ملكوت الطّفّ                    
                    
                        حسين حسن آل جامع
 على غالق
                    
                        على غالق                    
                    
                        حبيب المعاتيق
 أيقونة في ذرى العرش
                    
                        أيقونة في ذرى العرش                    
                    
                        فريد عبد الله النمر
 سأحمل للإنسان لهفته
                    
                        سأحمل للإنسان لهفته                    
                    
                        عبدالله طاهر المعيبد
 خارطةُ الحَنين
                    
                        خارطةُ الحَنين                    
                    
                        ناجي حرابة
 هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
                    
                        هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال                    
                    
                        أحمد الرويعي
 وقف الزّمان
                    
                        وقف الزّمان                    
                    
                        حسين آل سهوان
 سجود القيد في محراب العشق
                    
                        سجود القيد في محراب العشق                    
                    
                        أسمهان آل تراب
 رَجْعٌ على جدار القصر
                    
                        رَجْعٌ على جدار القصر                    
                    
                        أحمد الماجد
 خذني
                    
                        خذني                    
                    
                        علي النمر
 
                    
                        من آيات عظمة الله سبحانه
 
                    
                        أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
 
                    
                        كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟
 
                    
                        سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه
 
                    
                        السيدة زينب: بهاء من ملكوت الطّفّ
 
                    
                        آل سعيد يطرح قاعدة بسيطة فعّالة لدفع القلق والتّوتّر
 
                    
                        أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!
 
                    
                        (التّواصل ليبقى الحبّ) محاضرة للرّاشد في مركز البيت السّعيد
 
                    
                        تفسير المحيط الأعظم والبحر الخِضَمّ
 
                    
                        رأس العبادة، آدابٌ للدعاء