من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
عن الكاتب :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين، (1936م-2001م) عالم دين ومفكر إسلامي ومحدّث، كان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. بدأ نشاطه العلمي والسياسي في مدينة النجف الأشرف ودرس عند السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي. عاد عام 1969م إلى لبنان وتولّى رئاسة الاتحاد الخيري الثقافي الذي أسس عام 1966م و باشر بنشاطات ثقافية وفكرية وتبليغية. من مؤلفاته: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، مطارحات في الفكر المادّي والفكر الديني، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، بين الجاهلية والإسلام وغير ذلك.

إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (1)

كانت إصلاحاته عليه السّلام السياسة تتناول ثلاثة ميادين: الإدارة، والحقوق، والمال.

 

أ - الإدارة:

 

ففيما يرجع إلى سياسة الإدارة، عزل ولاة عثمان عن الأمصار، هؤلاء الولاة الذين كانوا السبب المباشر في الثورة لظلمهم وبغيهم وعدم درايتهم بالسياسة وأصول الحكم، وولّى من قبله رجالًا ذوي دين وعقل وبعد نظر وحسن تدبير.

 

ب - الحقوق:

 

وفيما يرجع إلى الحقوق، نادى بأن المسلمين جميعًا سواء في الحقوق والواجبات في الإسلام، وقد كانت هناك فروق حقوقية جاهلية نسفها الإسلام ولكن عهد عثمان أعادها، فقريش ذات الماضي العريق في السيادة على القبائل العربية، عادت في زمن عثمان فأتلعت جيدها وأعادت تلك الفروق، فغدا أناس ليس لهم ماض مشرف بالنسبة إلى الإسلام ونبيّه يتعالون على أعظم المسلمين جهادًا وسابقة وبلاء، لمجرد أنهم قرشيون.. هذه الفروق المعنوية الجاهلية حطمها الإمام، فقال: (الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه) (1).

 

ج - المال:

 

وفيما يرجع إلى سياسية المال وقف موقفًا صارمًا، فصادر جميع ما أقطعه عثمان من القطائع وما وهبه من الأموال العظيمة لطبقة الأريستوقراطيين، وقد صرح بذلك في أول خطبة خطبها بعد خلافته، فقال: (أيها الناس! إني رجل منكم، لي ما لكم وعلي ما عليكم، وإني حاملكم على منهج نبيكم، ومنفذ فيكم ما أمر به، ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدت قد تزوج به النساء، وملك الإماء، وفرق في البلدان لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق) (2).

 

وكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله في توزيع الأموال هي التسوية بين الفاضل والمفضول، لأن النظر في هذا الأمر إلى الحاجة لا إلى الفضل، ولأن الفضل ليس عرضًا يشرى ويباع، ولأن الفاضل يجد عند الله وعند الناس ثواب فضله، ولكنّ أبا بكر وعمر فضّلا بعض الناس على بعض، وإذا كانا قد فضّلا فإنهما قد فعلا ذلك بحكمة، أمّا عثمان فقد فضّل دون مقياس للتفضيل، وبذلك زاد التفاوت بين الطبقات فحشًا وبعدًا، فلما جاء الإمام عليه السلام عدل عن هذه السياسة وسوّى بين الناس في العطاء.

 

وبقدر ما كانت هذه السياسة مصدر جذل وفرح للطبقة المستضعفة الفقيرة الرازحة تحت أثقال من الظلم، كانت أيضًا صفعة مدوية لقريش ولغرورها وخيلائها واستعلائها على الناس.

 

فمن أين لها بعد اليوم أن تحوز الأموال العظيمة دون أن تنفرج شفتان تقولان لها: من أين لك هذا؟ وكيف لها بعد اليوم أن تستعلي وتستبد وتفرض على الناس في ظل الإسلام سلطانها عليهم في الجاهلية؟

 

وكانت هذه السياسة صفعة مدوية لزعماء القبائل العربية الذين كانوا يقبضون ليسكتوا.  وكانت هذه السياسة صفعة مدوية لولاة عثمان على سياستهم من أهل المدينة وغيرهم.

 

وكانت صفعة مدوية لولاة عثمان المعزولين، المجردين من السلطان، الذين ينتظرهم مصير لا يحسدون عليه عند الحاكم الجديد، بما ظلموا، وأساؤوا السيرة، وجاروا على الرعية.

 

كل هؤلاء أورثهم كربًا شديدًا مصير الحكم إلى علي بن أبي طالب، ولعلهم قد فكروا أن يساوموه على بذل طاعتهم له، على أن يغضي عما سلف منهم، ويأخذهم باللين والهوادة فيها يستقبلون، فأرسلوا إليه بعض زعماء بني أمية يقول له: (يا أبا الحسن. إنك قد وترتنا جميعًا.. ونحن نبايعك على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال أيام عثمان..) (3). ولكنه أبى عليهم ذلك وأصر على أن يحملهم على الخطة التي يريد، والتي يرى الصلاح في اتباعها.

 

وقد حدث رد الفعل عند هؤلاء في حرب الجمل، التي كانت تدبيرًا دبره من لم يماش الحكم الجديد أهواءهم من بني أمية وغيرهم من ولاة عثمان إلا أن الحركة في صميمها كانت أموية خالصة. وقد كان القائمون بهذه الحركة يريدون أن يعطفوا أزمة الحكم إلى جانبهم بعد أن صفرت أيديهم من مساعدة الإمام لهم على ما يبتغون، ولكن الإمام عليه السلام قضى على الحركة في مهدها، ففر من أخطأه السيف، ممن تولى كبرها، إلى الشام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة، رقم النص: 37.

(2) نهج البلاغة، رقم النص: 15 ولم يذكر الشريف الرضي هذا النص بتمامه، وإنما ذكره ابن أبي الحديد، وغيره من شراح نهج البلاغة.

(3) شرح النهج، 2 - 172.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد