علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سيد جاسم العلوي
عن الكاتب :
كاتب ومؤلف في العلوم الفيزيائية والفلسفية، حاصل على البكالوريوس و الماجستير في علم الفيزياء من جامعة الملك فهد للبترول و المعادن حاصل على الدكتوراه من جامعة درهم (بريطانيا) في الفيزياء الرياضية.

إنتروبيا الجاذبية والشروط الابتدائية الخاصة في لحظة الانفجار الكونيّ العظيم (2)

تناقضات الإنتروبيا الكونية:

 

واجه العلماء في القرن الثامن عشر السؤال التالي: إذا كانت نجوم هذا الكون تشع منذ الأزل باعتبار أن الكون ليس له بداية فلما لم يصل إلى حالة من التوازن الحراري؟ (1) والتوازن الحراري الكوني يعني أن يمتلىء الفضاء بطاقة إشعاعية تكون فيها درجة حرارة الفضاء مقاربة الى درجة حرارة النجوم.

 

واحدة من دلالات عدم التوازن الحراري هو الظلام الذي يغطي السماء في الليل. هذا يقود إلى أن الكون له بداية، وهذه البداية كانت بشروط خاصة أفضت إلى أن يتطور الكون إلى اللحظة التي عليها الآن. ولنحاول أن نجيب عن هذا السؤال الذي طرحه علماء القرن الثامن عشر بالعودة لمثال الغاز السابق الذي كان داخل القنينة ثم انتشر وتوزعت جزيئاته في الفضاء المحيط، بعد أن قمنا بفتح السدادة ولكننا سوف نتصرف به قليلاً.

 

لنتصور صندوقًا نصفه مليء بالغاز والنصف الآخر فارغ، ويفصل بين نصفيه حاجز يمكن إزالته. ففي البداية حيث الغاز محصور في النصف الأول من الصندوق بفضل وجود هذا الحاجز، يكون الغاز عند درجة حرارة معينة، وفي حالة من الإنتظام نسبيًّا، يعني ذلك أن الإنتروبي له منخفضة، وبعد إزالة هذا الحاجز ينتشر الغاز داخل الصندوق بالكامل وترتفع درجة الفوضى لديه حيث تزداد عدد الطرق التي يمكن أن نوزع بها جزيئات الغاز وبالتالي تكون الإنتروبي لديه عالية.

 

لكنّ الغاز بعد انتشاره قد انخفضت لديه درجة الحرارة التي كانت لديه قبل إزالة الحاجز وأصبح الغاز داخل الصندوق متوازنًا حراريًّا. لو تصورنا أن هذا الصندوق لديه قابلية للتمدد باستمرار فما الذي يحدث للإنتروبي ودرجة الحرارة. بالطبع كلما تمدد الصندوق فإن جزيئات الغاز يمكن توزيعها بطرق أكثر مما يعني أن الإنتروبي سوف تزداد وأن درجة الحرارة ستواصل الإنخفاض وأن حالة التوازن الحراري لا يمكن الوصول إليها إلا في الحالة التي يصل فيها الغاز إلى درجة الصفر المطلق حيث يكون الموت الحراري.

 

والآن لنتصور نفس هذا المثال ونطبقه على النظام الكوني. فالصندوق يمثل حدود فضاء الزمان – المكان، وبدل الغاز سيكون لدينا توزيع متجانس لنظام من الجاذبية مجموعة من النجوم مثلاً. فكيف لمثل هذا النظام أن يتطور داخل الفضاء الكوني مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الفضاء يتمدد.

 

سوف يتطور الأمر بحيث تكون كثافة وسرعة النجوم القريبة من المركز عالية، بينما تنتشر بقية النجوم في الأطراف البعيدة من المركز وتكون حركتها ضعيفة. هذا الميل لأنظمة الجاذبية أن تنمو على هذا النحو غير المتجانس، لهو مثال على التنظيم الذاتي للجاذبية. إذن أنظمة الجاذبية تعيد تشكيل منظومتها بحيث تتطور من حالة التجانس إلى حالة غير متجانسة على عكس الطريقة التي يتوزع بها الغاز حيث يعيد انتشاره في الفضاء بطريقة تجعله أكثر تجانسًا حراريًّا وأكثر فوضوية.

 

وإذا كان الغاز سينتشر كلما امتد الفضاء من حوله حتى يصل الى الموت الحراري، فما الحالة التي سينتهي إليها نظام الجاذبية وتفضي به إلى حالة من التوازن حيث تصل الإنتروبيا الى قيمتها القصوى؟ سوف يتطور هذا النظام إلى ثقب أسود حيث ينحني الفضاء زمنيًّا. ويمثل الثقب الأسود حالة التوازن النهائية لنظام من الجاذبية حيث تكون الإنتروبيا في وضعها الأقصى.

 

لقد اكتشف ستيفن هوكوينغ وجيكب بينكشتين بعد تطبيق النظرية الكمية على الثقوب السوداء، أن إنتروبيا الثقوب السوداء هي أعلى بكثير من النجوم ذات الكتل المماثلة لهذه الثقوب. وبالأخذ بهذه الحقيقة والعلاقة بين الإنتروبي والاحتمال فإن نظامًا متجانسًا من الجاذبية من المحتمل أن يتطور أكثر ليشكل ثقوبًا سوداء، وليس هذا التوزيع غير المتجانس من النجوم.

 

روجر بنيروز العالم الفيزيائي الكبير قام بحسابات ليجد أن كون الثقوب السوداء يعني أن تسود به الثقوب السوداء وليس النجوم هو الأكثر احتمالية، بحيث تصل احتمالية كون تسوده الثقوب السوداء بالمقارنه مع كون تسوده النجوم تعادل 10 مرفوعة إلى (1030) إلى واحد. (2)

 

بهذا الاحتمال المذهل يبدو من الغريب جدًّا أن ينتج الانفجار الكوني هذا الكون الحالي الذي تسوده النجوم وليست الثقوب السوداء، هذا دليل على أن الوضع الحالي للكون هو نتيجة شروط ابتدائية خاصة جدًّا، وأنه لا يوجد فهم حقيقي لإنتروبيا أنظمة الجاذبية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) The Matter Myth, Paul Davies and John Gribbin, Simon & Schuster Paperbacks, 1992.

(2) God & The New Physics, Paul Davies, Simon & Schuster Paperbacks, 1983.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد