المترجم: عدنان أحمد الحاجي
لو حركت الكاميرا بسرعة من موقع إلى آخر، فإن هذه الحركة السريعة والمباغتة بين النقطتين، تسبب حركة سريعة متتالية motion smear قد تسبب غثيانًا. [مصطلح "تشتت الحركة أو الحركة المتتالية السريعة بحيث تبدو الصورة مشوشة" عمومًا يشير إلى تأثير بصري (1)]. ولكنّ عيوننا تقوم بحركات كهذه مرتين أو ثلاث مرات في الثانية. تسمى هذه الحركات السريعة بحركات العين الرمشية أو الحركات السكادية [وهي حركة سريعة متزامنة لكلتا العينين أثناء التحديق باتجاه صورة أو جسم معين حتى وان كانت هذه الصورة ثابتة، حيث تقوم العينان بحركة مسحيّة مستمرة - متتالية وسريعة - باتجاه الجسم أو الصورة (2)].
وبالرغم من أن المثير البصري أثناء الحركة السكادية ينتقل بغتة وبسرعة عبر شبكيّة العين، يبدو أن دماغنا يبقيه سرًّا لنفسه: لذلك لا ندرك حسيًّا هذا الانتقال السكادي أبدًا. تثبت الدراسة الجديدة أن حركاتنا السكادية تتنبأ بحدود السرعة القصوى في بصرنا حين تصبح حركة الجسم سريعة جدًّا بحيث لا يمكن رؤيته.
وفقًا لدراسة (3) نشرها باحثون من مجموعة التميز في علوم الذكاء (TU Berlin) من جامعة برلين التقنية في مجلة Nature Communications، فإن المثيرات البصرية - مثلًا، حركة السنجاب السريعة والمباغتة من مكان إلى آخر، أو كرة تنس مضروبة بأقصى قوة - تصبح غير مرئية عندما تتحرك بسرعة وبمدة وبمسافة مماثلة لتلك الخاصة بإحدى حركاتنا السكادية. يشير هذا إلى أن خصائص الجهاز البصري البشري يمكن فهمها بشكل أفضل في سياق حركات أعيننا.
متى تصل سرعة حركة المثير البصري إلى درجة بحيث لا تستطيع رؤيته؟
مدى سرعة الجسم القصوى قبل أن يصبح غير مرئي بالنسبة لنا مرتبط بشكل مباشر بسرعة حركات أعيننا. فبعد تجاوز سرعة معينة، تصبح حركة المثير البصري سريعة جدًّا بحيث لا يمكن رؤيته. ونتيجة لذلك، يمكن استخدام سرعة حركات أعيننا عبر مسافة معينة للتنبؤ بالسرعة التي يصبح بها المثير البصري المتحرك غير مرئي بالنسبة لنا. وبما أن سرعة حركات العيون تختلف باختلاف الشخص، فالذين يحركون عيونهم بحركات سريعة بشكل خاص يتمكنون أيضًا من رؤية أشياء تتحرك بسرعات أعلى مما يتمكّن من يحركون عيونهم بحركات أبطأ نسبيًّا. قد يعني هذا أن أفضل لاعبي البيسبول، أو لاعبي ألعاب فيديو الأكشن (4)، أو مصوري الحياة البرية يتميزون بحركات عيون أسرع.
تُشكل حركاتنا إدراكنا الحسي (رؤيتنا).
تُعدّ هذه النتيجة مثيرة للاهتمام، إذ تُقدّم أول دليل على أن حركات أجسامنا تُشكّل أساسًا قدرات جهاز إدراكنا الحسي (5). يوضح مارتن رولفز Martin Rolfs، الباحث الرئيس في الدراسة: "جوانب العالم المادي التي يُمكننا استشعارها تعتمد أساسًا على مدى جودة أجهزة استشعارنا". ويضيف: "على سبيل المثال، لا نرى الأشعة تحت الحمراء لأن أعيننا ليست حساسة لها، كما لا يمكننا أن نرى الوميض على شاشاتنا لأنه يومض بترددات أعلى مما تستطيع أعيننا تمييزه. ومع ذلك، نُبيّن في هذه الورقة البحثية أن حدود الرؤية لا تُحدّدها هذه القيود البيوفيزيائية فحسب، بل أيضًا الأفعال والحركات التي تُحدث تغييرات في جهازنا الحسي. ولإثبات ذلك، استخدمنا أسرع حركات الجسم وأكثرها تكرارًا، أي حركات العين السريعة التي يقوم بها الإنسان أكثر من مئة ألف مرة يوميًّا".
حركة لا ندركها حسيًّا
كما تُسبب حركة الكاميرا حركة في الفيلم السينمائي، تخلق الحركة السكادية أنماط حركة على شبكية العين. يقول رولفز: "لكننا لا ندرك هذه الحركة حسيًّا". ويضيف: "لقد أثبتنا أن المثيرات البصرية التي تقتفي أنماط الحركة (المعينة جدًّا) نفسها كحركات إسكادية (أثناء تثبيت أعيننا) تصبح هذه المثيرات البصرية أيضًا غير مرئية.
لذا، ببساطة نقترح أن حركية أفعالنا (الكينماتيكا التي تصف حركة الجسم الفيزيائية بدون أي اعتبار لمسبب الحركة، ويصف حركة الجسم من نقطة إلى أخرى نسبةً إلى الزمن) (6) (هنا، حركات العين السريعة) تُقيد بشكل أساس قدرة الجهاز الحسي على الإحساس بالعالم المادي من حولنا، وأوضح رولفز أن هذه سمة ذكية للجهاز البصري، لأنه يبقى حساسًا للحركة السريعة، ولكن فقط حتى إلى حدّ السرعات الناتجة تحديدًا عن الحركات السكادية، وهذه السرعات لا تُدرك حسيًّا رغم أنها متاحة للدماغ. ويضيف: "بعبارات بسيطة، يُمكن فهم خصائص الجهاز الحسي، مثل الجهاز البصري البشري، على أفضل وجه في سياق كينماتيكا الأفعال (الحركات) التي تعمل على توفير البيانات أو التعليمات للجهاز البصري، والذي يقوم بعد ذلك بمعالجة تلك المدخلات (في هذه الحالة، حركات العين السريعة)".
آلة مُضبوطة بدقة
"جهازنا البصري وجهازنا الحركي مُضبوطان بالنسبة لبعضهما بدقّة، ولكن ظلت فترة طويلة لم يلتفت إلى أهمية خاصية الضبط الدقيقة بين الجهازين". كما قال مارتن رولفس. ويضيف: "إحدى المشكلات هي أن من يدرسون التحكم الحركي ليسوا هم أنفسهم من يدرسون الإدراك الحسي. كل فريق يحضر مؤتمرات مختلفة عما يحضره الفريق الآخر، وكل فريق ينشر في مجلات مختلفة عن المجلات التي ينشر فيها الفريق الآخر - ولكن من واجبهم أن يتحدث الفريقان مع بعضهما!".
تفيد هذه الدراسة بأن جهازنا البصري قادر على تمييز حركة المثير البصري بطريقة مشابهة لحركات أعيننا، ثم يقوم بتصفية الإدراك الحسي لهذه الحركة القابلة للرؤية. كما يُقدم آلية جديدة لتفسير لماذا لا نرى عملية التتالي السريع (تشتت الحركة) (1) للحركة البصرية على شبكية العين أثناء حركات العين كما لو كنا نستخدم كاميرا.
باختصار:
لا نستطيع رؤية الأجسام التي تتحرك بسرعات وفترات ومسافات مماثلة لحركاتنا السكادية، حتى عندما تكون أعيننا ثابتة.
كلما كان للناس حركات عيون إسكادية أسرع، استطاعوا رؤية الأجسام التي تتحرك أسرع بشكل أفضل.
لا تقتصر القدرة على رؤية الحركة على الحدود الحسية القصوى فحسب، بل تتأثر أيضًا بالحركات التي بدورها تؤثّر في المدخلات الحسية والتي من شأنها أن تؤثر في إدراكنا الحسي للمعلومات وطريقة معالجتها، فالحركة السريعة يمكن أن تدعو إلى الاستنفار والتيقظ بينما الحركات البطيئة قد تكون مهدئة.
يتميز جهازنا البصري وجهازنا الحركي بالتنسيق الدّقيق فيما بينهما، ولكن غالبًا ما يخضعا للدراسة بشكل منفصل عن بعضهما - لفهم الإدراك الحسي، نحتاج إلى فهم الحركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تشتت_الحركة
2- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/حركة_العين_الرمشية
3- https://www.nature.com/articles/s41467-025-58659-9
4- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/لعبة_أكشن
5- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_الإدراك_الحسي
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_الحركة_المجردة
المصدر الرئيس
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الإمام الباقر عليه السلام: هكذا تكون سعيداً
الحج وإيجاد الإنسان
بين يديّ الإمام الباقر عليه السّلام
زكي السّالم: كيف تصبح متملّقًا في تسع دقائق ونصف؟
ما جرى على البيت الحرام في تاريخ الإسلام
الحج ووحدة المسلمين وإيقاظهم
الحج دعوة وتلبية (1)
الإمام الجواد: شباب في مهبّ السّموم
(ملمس الظّلّ) جديد الشّاعر حسن المبارك
منتدى الينابيع الهجريّة يحتفي بثلاثة من شعرائه