السيد منير الخباز
توجد عدة أوجه لسبب تسمية ليلة القدر بهذه التسمية، ولا يمنع أن تكون كل هذه الأوجه متحققة مع بعضها البعض، حيث لا تنافي بينها. وهذه الأوجه هي:
الوجه الأول: نابع من معنى الضيق وعدم السعة، فإن ليلة القدر هي ليلة تضيق الأرض فيها بملائكة الرحمة، نتيجة كثرة أنواع وألوان الملائكة الذين ينزلون فيها، من كروبيين ومسبحين وروحانيين، قال تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾([1]).
الوجه الثاني: مفاده أن سر التسمية كامن، في أن ليلة القدر ذات قدر وشأنٍ عظيم عند الله تبارك وتعالى، وهذا الملمح يستشف من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾([2]).
الوجه الثالث: إن ليلة القدر بتسميتها هذه، قد أخذت من التقدير – أي أنها ليلة التقدير([3]) – وهذه الجهة قد سلطت الضوء عليها الآية الشريفة: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾([4])، فكل موجود يمر بطورين من الوجود:
1- الوجود الإجمالي.
2- الوجود التفصيلي.
إن هذين الطورين من الوجود يمر بهما كل موجود، دون اختصاص بموجود دون آخر، فكل موجود كان مستغرقاً في طور وجوده الإجمالي، ثم انحل هذا الوجود، صار وجوداً تفصيلياً.
مثال: الطبيب قبل أن يكون مفهوم الطب متعيناً بنحو تفصيلي فيه باصطلاحاته ومعلوماته ومقرراته، كان متعيناً في هذا الطبيب بنحو إجمالي، من خلال المعلومات التي اغترفها وتلقاها في مراحل دراسية سابقة، كمرحلة الثانوية والمتوسطة وهذه المرحلة كانت سابقة، على مرحلة الجامعة التي كانت بوابة ومصدر العلم التفصيلي.
والانتقال من مرحلة الإجمال إلى التفصيل، هي ما قصدته الآية السالفة الذكر: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}([5])، والتفصيل هنا يعم جميع الكائنات والمخلوقات، من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة، بلحاظ أن السير الوجودي المجمل لكل الموجودات، سيفصل ويفرق في ليلة القدر، وسيجعل له حدود وقيود تكون نقطة انطلاقها، في ليلة القدر الفعلية إلى ليلة القدر التالية، وهذا ما تشير إليه عدة آيات قرآنية كمثل قوله جل في علاه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾([6])، أي أن الموجودات كل الموجودات، كانت مخزونة باعتبار أنها كانت مستنبطة للوجود الإجمالي، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾([7])، ثم تحولت هذه الخزائن إلى وجودات مادية ومفصلة، قال الحق عز وجل: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ﴾([8])، بمعنى أن الموجودات قد استحالت إلى ألوان وأشكال تفصيلية.
ـــــــــــــــ
[1] سورة القدر الآية 4.
[2] سورة الدخان الآية 3.
[3] قد أشار إلى هذه الوجوه كوكبة من علمائنا الأبرار أعلى الله في الخلد مقامهم كالشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في مجمعه ج 10 ص 450 والعلامة الطبطبائي في ميزانه ج 20 ص 331 والعلامة المحقق الحجة الشيخ فرج العمران القطيفي جد المقرر له في سفره اللطيف ليلة القدر ص 17 – 18.
[4] سورة الدخان الآيات 4-5.
[5] سورة الدخان الآيات 4-5.
[6] سورة الحجر الآية 21.
[7] سورة الحجر الآية 21.
[8] سورة الأنعام الآية 59.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد هادي معرفة
د. سيد جاسم العلوي
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
حقيقة التأويل في القرآن الكريم (2)
العرش والكرسيّ (2)
إنتروبيا الجاذبية والشروط الابتدائية الخاصة في لحظة الانفجار الكونيّ العظيم (2)
حبيب المعاتيق في المدينة المنوّرة: تسعة أعشار الوجد
كيف يصنع الدماغ العادة أو يكسرها؟
إنتروبيا الجاذبية والشروط الابتدائية الخاصة في لحظة الانفجار الكونيّ العظيم (1)
العرش والكرسيّ (1)
حقيقة التأويل في القرآن الكريم (1)
حين لا نتقدم.. ما هي السنّة الإلهية التي قد تجري؟
ما يجوز على أهل البيت وما لا يجوز