هذه باقة من النصوص الإسلامية تحدّد بشكل دقيق علاقات الإنسان المؤمن الاجتماعية والأسرية، وميوله ورغباته النفسية، وترسم له خارطة دقيقة لساحة المجتمع الإنساني بكل جبهاته المتضاربة والتواءاته السياسية والعقائدية، وما بين هذه الجبهات والفئات من قرب ومن بعد، وما بها من هدىً وضلال، واستقامة واعوجاج، وما لديها من انقياد للحق، وعناد، وتمرّد عليه، وما عليها من بصيرة وهدىً، أو ضلال وعمىً... إن هذه الساحة المليئة بالمتناقضات والحروب والصراعات والتحالفات واللقاءات هي ساحة عملنا وتحركنا.
ومن دون وجود دليل خبير بمسالك هذه الساحة ومداخلها، والمناطق المحظورة، والمناطق المجازة فيها، لا نستطيع أن نتحرك في هذه الساحة، ولا نستطيع أن نميز فيها بين أعدائنا وأصدقائنا؛ وإن الحبّ في الله يرسم لنا في هذه الساحة خارطة دقيقة نستطيع أن نميز فيها بدقة الأصدقاء عن الأعداء، ونعرف أين نضع ثقتنا ومن أين نسحب الثقة، وإلى من نركن وممّن نحذر، وإلى من نمدّ أيدينا، وعمّن نسحب أيدينا، ومع من نتعامل بثقة، ومع من نتعامل بحذر.
فلقد شطّت هذه الأمة بعيداً، والتبس عليها الأمر طويلاً، وركنت كثيراً إلى الذين نهى الله عن الركون إليهم، وأقامت علاقات وثيقة مع الذين نهى الله عن مودّتهم، ووصلت حبلها بحبل أعداء الله، وقطعت حبلها عن حبل أولياء الله، ومالت إلى أقصى اليمين طوراً، وإلى أقصى اليسار طوراً، وصفّقت لأعداء الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومالت مع كل ريح... كل ذلك في غياب الضوابط والمعايير الإسلامية في الحبّ والبغض والتقارب والتباعد.
وإن ضوابط الولاء و(الحبّ في الله) تعطينا خطوطاً دقيقة جداً للعلاقات والصلات والوشائج، وترسم لنا الخارطة السياسية للساحة البشرية عموماً، وتميز لنا فيها أصدقاءنا من أعدائنا. كما أنها ترسم لنفوسنا الحدود الدقيقة لميولها وتعلّقاتها، ورغباتها، وحبّها وبغضها.
إن هذه الخارطة تقسّم الساحة البشرية إلى جزأين متمايزين (الولاء) و(البراءة). ولكل من الولاء والبراءة مساحة خاصة به، ولكل من هاتين المساحتين أحكامه الخاصة به، وإن ضوابط الولاء والحبّ في الله تحدد بصورة دقيقة مساحة كل من الولاء والبراءة، والأحكام الخاصة بكل منهما.
وضابطة الولاء والبراءة واضحة... إنها الحبّ في الله والبغض في الله.
إن اولياءنا وأصدقاءنا في هذه الساحة هم المؤمنون. وإن أعداءنا الذين نحاربهم هم أعداء الله ورسوله وأئمة الكفر.
إن المساحة المؤمنة من المجموعة البشرية بعضهم من بعض، وبعضهم أولياء بعض؛ يجمعهم الولاء لله وللرسول، وحبّ الله ورسوله، ويجمعنا بهم هذا الولاء والحبّ... (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ) [1].
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [2].
وهذه هي مساحة الولاء في الساحة البشرية.
ومساحة البراءة على الأرض، وفي المجتمع هي المساحة التي تضم أعداء الله ورسوله من الكفار، والمشركين، ومن أئمة الكفر من الذين يحادّون الله ورسوله، ويشاقّونههما، ويصدون الناس عن دين الله، ويحاربون الله ورسوله.
هؤلاء يشكّلون جبهة متميزة على وجه الأرض... تقف دائماً في قبال الجماعة المؤمنة، وتضمر لها الكيد والمكر، وترث العداء للمؤمنين خلفاً عن سلف، ولن تكفّ عن محاربة الأمة المسلمة حتى تتبع ملّتها. ولن يهدأ لهم بال ما دام لهذا الدين قائمة علی وجه الأرض. (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [3].
هؤلاء بعضهم أولياء بعض، وبعضهم من بعض، أمة واحدة في قبال الأمة المسلمة... والموقف منهم المفاصلة التامة. ليست بيننا وبينهم صلة أو مودّة، ومن يتخذهم منا أولياء فهو منهم، وينقطع ما بيننا وبينه من وشيجة الولاء.
والقرآن الكريم صريح وحاسم في تقرير هذه الحقيقة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [4].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] التوبة : 71.
[2] الأنفال : 72.
[3] البقرة : 120.
[4] المائدة : 51.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الفيض الكاشاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسن المصطفوي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ شفيق جرادي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
خارطة الولاء والبراءة في النفس والمجتمع
التوبة بالندم على الذنب
ما المقصود بالقِدَم؟
صفة الذّات وصفة الفعل
علاقة المجاز العقلي في القرآن
معنى قوله تعالى ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ﴾
منتدى الكوثر الأدبي بالقطيف يعلن انطلاق المشاركة بمسابقة (رئة الوحي) بنسختها الثامنة
مع الشيعة في عقائدهم
تناول وجبة واحدة غنية بالدهون قد يُعيق تدفق الدم إلى الدماغ
ابن الحنفية وتوهُّم الإمامة!