قدم الخالق العظيم وصفاته:
من البحوث المهمة التي أدلى بها الإمام (عليه السلام) هي قدم الخالق العظيم وصفاته، قال (عليه السلام) لبعض أصحابه: اعلم علمك الله الخير أن الله تبارك وتعالى قديم، والقدم صفته التي دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء، وذلك أنه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقًا له لأنه لم يزل معه، فكيف يكون خالقًا لمن لم يزل معه، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا، وكان الأول أولى بأن يكون خالقًا للأول.
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم، وابتلاهم إلى أن يدعوه بها، فسمي نفسه سميعًا بصيرًا، قادرًا قائمًا، ناطقًا ظاهرًا باطنًا، لطيفًا خبيرًا قويًّا عزيزا، حكيمًا عليمًا، وما أشبه هذه الأسماء، فلما رأى ذلك من أسمائه القالون المكذبون، وقد سمعونا نحدث عن الله، أنه لا شيء مثله، ولا شيء من الخلق في حاله، قالوا: أخبرونا إذا زعمتم أنه لا مثل لله، ولا شبه له، كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها، فإن في ذلك دليلاً على أنكم مثله في حالاته كلّها أو في بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة؟
قيل لهم: إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع، وهو الذي خاطب الله به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا، فقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد، كل ذلك على خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها، لأن الإنسان ليس بأسد، ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله.
وإنما سمي الله تعالى بالعلم (1) بغير علم حادث علم به الأشياء، استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه، ويفسد ما مضى مما أفنى من خلقه، مما لو لم يحضره، ويغيبه كان جاهلاً ضعيفًا كما أنّا لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث (2) إذ كانوا فيه جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل، وإنما سمي الله عالـمًا لأنه لا يجهل شيئًا، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم، واختلف المعنى على ما رأيت.
وسمي ربنا سميعًا لا بخرق فيه يسمع الصوت، ولا يبصر به كما أن خرقنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه شيء من الأصوات، ليس على حد ما سمينا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسمع، واختلف المعنى وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر، كما أنّا نبصر بخرق منا لا ننتفع به في غيره، وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر، كما أنّا نبصر بخرق منّا لا ننتفع به في غيره، ولكنّ الله بصير لا يحتمل (3) شخصًا، منظورًا إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ولكن قائم (4) يخبر أنه حافظ كقول الرجل: القائم بأمرنا فلان، والله هو القائم على كل نفس بما كسبت، والقائم أيضًا كلام الناس: الباقي، والقائم أيضًا يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي اكفهم، والقائم منّا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم، ولم يجمعنا المعنى وأما اللطيف فليس على قلة وقصافة وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء، والامتناع من أن يدرك كقولك للرجل: لطف عني هذا الأمر، ولطف فلان في مذهبه، وقوله: يخبرك أنه غمض فيه العقل، وفات الطلب، وعاد متعمقًا، متلطفًا لا يدركه الوهم، فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منّا الصغر والقلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء، ولا يفوته، ليس للتجربة، ولا للاعتبار بالأشياء، فعند التجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم لأن من كان كذلك كان جاهلاً، والله لم يزل خبيرًا بما يخلق الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، فقد جمعنا الاسم، واختلف المعنى وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها، وقعود عليها وتسنم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل: ظهرت على أعدائي، وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور على الأشياء، ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده، ولا يخفى عليه شيء وأنه مدبر لكل ما برأ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منّا البارز بنفسه، والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علمًا وحفظًا وتدبيرًا كقول القائل: أبطنته: يعني خبرته، وعلمت مكتوم سرّه، والباطن منّا الغايب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأما القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال، ومدارة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضًا، والمقهور منهم يعود قاهرًا والقاهر يعود مقهورًا، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله، وقلة الامتناع لما أراد به، لم يخرج منه طرفة عين، أن يقول له: (كن فيكون) والقاهر منّا على ما ذكرت ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع الأسماء، وإن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك، والله عونك وعوننا في إرشادنا وتوفيقنا . .. (5).
وحفلت هذه الرسالة بالاستدلال على قدم الخالق العظيم المبدع والمكون للأشياء على اختلاف أنواعها، كما حفلت بذكر بعض أسماء الله تعالى، وإنها وإن أطلقت على الإنسان إلا أن المعنى مختلف، فإطلاقها على الله غير إطلاقها على الإنسان المفتقر إلى الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسالة وصفها الكليني بأنها مرسلة، وليست بمسندة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة بالعالم وهو الأصح.
(2) في التوحيد "سموا بالعالم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة".
(3) في التوحيد "لا يجهل شخصًا".
(4) في التوحيد "ولكن أخبر أنه قائم يخبر أنه حافظ".
(5) أصول الكافي 1 / 120 - 123.
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
أحلام المشهدي تشارك في معرض ثلاثيّ في الأردن
الإمام الرضا عليه السلام: 19 عاماً من الجهاد
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (3)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)
تحمّل المسؤوليّة، عنوان الحلقة الثّالثة من برنامج (قصّة اليوم)
ناصر الرّاشد: كيف يستمرّ الحبّ؟
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (2)
شيء من الحنين الرّضويّ