
زعم الأشعري ومن على شاكلته من أهل الجبر، أن لا سبيل للعبد إلى اختيار طرق الهداية أو الضلال اطلاقًا، وإنّما هي إرادته تعالى يهدي من يشاء بلا سبب ذاتي، ويضل من يشاء بلا استحقاق موجب، لأنّه تعالى يفعل ما يريد، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال: إن اللّه هدى البعض إلى الإيمان ولطف به وأصلحه فكان مؤمنًا، وأضل البعض ولم يلطف به ولم يصلحه فكان كافرًا، ولو أصلحه ولطف به لكان مؤمنًا، لكنه تعالى أراد أن يكون هذا كافرًا ومن ثمّ خذله وطبع على قلبه.
وتشبث في ذلك بظواهر آيات تنسب إليه تعالى الهدي والضلال مطلقًا (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ويُضِلُّ مَنْ يَشاءُ). قال: الإيمان والكفر كلاهما من فعله تعالى يخلقهما في من يشاء من عباده، من شاء جعله مؤمنًا، ومن شاء جعله كافرًا. والخلاصة: أنه فسر الهداية - حيثما وردت في القرآن - بخلق الإيمان مباشرة أو القدرة عليه، ومن ثم فهي خاصة بالمؤمنين وحدهم، لأنّهم هم الذين أراد منهم الإيمان، فأقدرهم عليه ووفّقهم له، دون غيرهم من الكفار والمنافقين، ولو كان أراد من هؤلاء الإيمان أيضًا لأقدرهم عليه لكنّه تعالى أراد أن يكونوا كافرين فلم يقدرهم على الإيمان.
وقال - في قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) «1» - : إن الضمير في «فهديناهم» يعود على المؤمنين من قوم ثمود خاصة، والضمير في «فاستحبوا العمى» يعود على الكافرين منهم خاصة. ليكون المعنى: أن اللّه هدى البعض من قوم ثمود إلى الإيمان وأقدرهم عليه فآمنوا، كما لم يهد غيرهم ولم يقدرهم فاستحبوا العمى على الهدى وصاروا كافرين.
وقد تكلم الأشعري في ذلك بإسهاب، في فصول عقدها من كتابه: «الإبانة» «2» وله مخاريق أقطع ذكرها في كتابه «اللمع» فراجع «3».
ورمى أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري (ت 456) القائلين بمثل هذه التفسيرات بالجهالة، قال: وقال بعض من يتعسف القول بلا علم - معرضًا بالأشعري - إن قول اللّه عزّ وجلّ:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) «4». وقوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) «5». وقوله تعالى: (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) «6»: إنّما أراد تعالى بكلّ ذلك المؤمنين خاصة! قال: وهذا باطل من وجهين، أحدهما: تخصيص الآيات بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل. والثاني: اأن نص الآيات يمنع من التخصيص «7» ثم أخذ في الاستدلال بآيات ردًّا على تلك المزعومة.
قلت: ... وإن لا موقع للإلجاء مع التكليف، كما لا ملامة ولا ذم ولا عقاب ولا جزاء مع عدم الإرادة والاختيار، وإنّ للهداية مراتب: أولى ووسطى ونهاية، والوسطى اختيارية محضة واقعة بين هدايتين كانتا منحتين إلهيتين. وبذلك استطعنا التوفيق بين الآيات الكريمة وله الحمد.
(ملحوظة) قد يقال: لا مانع من حمل قوله تعالى: (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) على حقيقة الإضلال، من غير تأويله إلى معنى الخذلان والحرمان. وذلك لأنّه تعالى إنما يزيد في ضلال العاتي المتمرد عقوبة على استكباره وعناده مع الحق الصريح. فهي عقوبة اكتسبها العاصي بيده، فكان جديرًا بهذا الجزاء المماثل (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «8».
لكنا إذا ما لاحظنا نجد من إمداد التائه في تيهه - مهما كان السبب - قباحة يستنكرها العقلاء في الأوساط المتحضرة، ويستقبحون الإغراء بالجاهل المغرور، زيادة في غيه وجهالته، حتى ولو كان هو السبب في غروره وكان قد عاند الحق ولم يعر اهتمامه لنصح الناصحين، إذ ليس من حكمة العقل أن يقوم الدليل بدفع التائه المغرور إلى مهاوي الهلكة بحجة جموحه عن قبول النصح.
فلنفرض أنّ انسانًا معجبًا بنفسه لم يستسلم لقيادة من كان يدله على الطريق، ولم ينصت لنصح من كان ينصحه، فجعل يسير على مضلات الطريق ومتعرجاته حتى وقف على حافة هاوية سحيقة حائرًا في ضلاله. فهل يجوّز العقل حينئذ أن يعود الدليل فيدفع به إلى السقوط في فوهتها، أو يزلق برجله حتى يقع هو في قعرها؟! وإذا كان العقل لا يجوز أمرًا فهو ظلم وقبيح، تعالى اللّه عن ذلك علوًّا كبيرًا، إذن لا محيص عن تفسير إضلاله تعالى بالخذلان والخيبة والحرمان، بمعنى ترك العتاة في ظلمات غيهم يعمهون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصلت : 17.
(2) من طبعة حيدرآباد الدكن عام 1367 ه صفحات : 6 - 7 و 56 و 59 و 61 - 63 و 65 - 70.
(3) صفحات : 69 و 73 و 79 و 88 و 90 من اللمع .
(4) فصلت : 17.
(5) الإنسان.
(6) البلد : 10.
(7) الفصل في الملل والنحل : ج 3 ص 45 - 46.
(8) هذا ما قاله زميلنا العلّامة السيد مهدي الحسيني الروحاني دام إفضاله ، والآية 40 من سورة الشورى.
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
محمود حيدر
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
الشيخ مرتضى الباشا
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (لمز) في القرآن الكريم
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
لا محبّ إلّا اللَّه ولا محبوب سواه
الدّريس يدشّن ديوانه الشّعريّ الأوّل: (صحراء تتنهد ومطر يرقص)
جلادة النّقد
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة