الشيخ محمد صنقور
قوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(1) نفهم من الآية أن النبي (ص) رأى عدد الكفار في عالم الرؤيا قليلاً على خلاف الواقع وأنَّه أعتقد أنَّ ما رآه في المنام هو الواقع ولم يكن الأمر كذلك، وهذا معناه أنَّ النبي (ص) قد أخطأ في اعتقاده وتقييمه لعدد الكفار، ومعناه أيضاً أنَّ رؤى النبي (ص) قد لا تُطابق الواقع. فما جوابكم؟
الآية المباركة -والتي سبقتها وكذلك الآية التي وقعت بعدها- تتحدَّث عن بعض ما وقع للمسلمين ومشركي قريش قبل نشوب المعركة بينهم في بدر، وذلك بقرينة قوله تعالى: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾(2) الوارد في الآية التي سبقت هذه الآيات الثلاث، والمقصود من يوم الفرقان هو يوم بدر كما أفادت ذلك النصوص.
فقوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً.. ﴾ بيان لبعض ما تفضَّل الله به في بدر على نبيِّه (ص) وعلى المسلمين، حيث أنَّه تعالى أوحى لنبيِّه في المنام ما يُمهِّد للمسلمين الغلبة والظفر بالمشركين في هذه المعركة.
فهو تعالى كان قد أوحى لنبِّيه (ص) في المنام أنَّ المشركين الذين جاؤا لصده عن القافلة وحربه قليلون، فبشَّر بذلك المسلمين فقويت عزائمهم، وذلك هو ما مهَّد للنصر.
وليس معنى إراءته لهم قليلاً أنه تعالى أراه الألفَ مائةً حتى يُقال أنَّ رؤياه كانت على خلاف الواقع، فالنبي (ص) كان يعلم بعددهم، وقد أخبرته عيونُه التي بعثها بعدَّتهم وعتادهم كما تؤكد ذلك كتب السِيَر وكما هو مقتضى طبيعة الاستعداد لكلِّ معركة قبل نشوبها.
وعليه فمعنى أنَّه تعالى أراه المشركين قليلاً أنَّه أراه إياهم هيِّنين وأن هزيمتهم ممكنة وأن الظفر بهم ميسور، فهو تعالى قد ألقى في روع نبيِّه "ص" الشعور بالقوة والمنعة والاقتدار عليهم، فكان ذلك سبباً في احتقاره لعددهم وعتادهم رغم إدراكه لتفوِّقُهم خارجاً من حيث العتاد والعدد.
فالقُّلة في الآية المباركة تعني الشيء المُستحقَر والهيِّن، والمراد من أنه تعالى أراه إياهم في المنام قليلاً أنَّه أراه أياهم شيئاً مستحقراً لا يستحق المهابة والاستعظام، ولعله لذلك وصفهم بقوله: ﴿قَلِيلاً﴾ ولم يقل قليلين.
ويؤيد ذلك انَّ استعمال القليل وإرادة الشي الحقير الهيِّن والميسور متعارف عند أهل المحاورة من العرب، ولذلك يُقال عن المعتدي مثلاً على أموال الناس حين يُحبس أو يُنفى من بلده: "هذا قليل في حقه" أي أنَّ هذا الجزاء يسير ومحتقر بإزاء ما ارتكبه من جرمٍ عظيم، فالقليل في هذا الاستعمال لم يقع وصفاً لعدد، لأن الجزاء بالحبس والنفي ليس أمراً معدوداً، وكذلك يُقال للوجيه عندما تقف إجلالاً لقدومه: "هذا قليل في حقك".
ولعلَّ من ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى.. ﴾(3) فإنَّ معنى الآية بحسب الظاهر هو أنَّ متاع الدنيا مستحقَر وهيِّن، فلا ينبغي للعاقل أن يعبأ به ويخلد إليه ويُغفل ما هو خير منه في الآخرة.
وبما ذكرناه يتضح أنَّ ما رآه النبي (ص) في المنام لم يكن خيالاً ولم يكن شيئاً على خلاف الواقع بل إنَّه قد انكشف له في المنام بواسطة الوحي واقعُ ما عليه المشركون من وهنٍ وضعف فعلم أنَّ عددهم لن يصنع لهم نصراً وأنَّ مآله إلى التمزُّق والشتات، لذلك هان عليه أمرهم فوجدهم شيئاً مستحقراً لا يستحق الخوف والاستعظام رغم إدراكه لمقدار عددهم وعتادهم.
وأما أنَّ ذلك تفضُّل من الله تعالى على نبيِّه (ص) بحيث استحق التنويه فلأنه تعالى قد بصِّر نبيِّه "ص"بواقع ما عليه المشركون من وهنٍ وألقى في روعه الشعور بالإقتدار على هزيمتهم، ولولا ذلك لكان تعاطيه معهم مناسباً لما يقتضيه ظاهر عددهم، وحيث أنَّ عددهم كان متفوقاً كثيراً فذلك يقتضي أن لا يدخل معهم في حرب بل يعود أدراجه إلى المدينة، فلا يظفر بالقاقلة ولا يحظى بجهاد المشركين وهزيمتهم إلا أنَّ الله تعالى حيث أراه إياهم شيئاً محتقراً وأنَّ عددهم لا يعبِّر عن واقعهم وقوتهم. فذلك فضل من الله تعالى على نبيِّه (ص) وقد مهَّد هذا الفضل للنصر حيث أنَّ النبي (ص) كان قد بشَّر بما رآه من وحي الله في منامه المسلمين فتعبأت نفوسهم وعقدوا العزم على مواجهة المشركين فوجدوهم كما أوحى الله لنبيِّه (ص) لا يُعبِّر ظاهرهم عن واقعهم ، فلم يلبثوا حتى انهزموا.
وبه يتضح معنى قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا﴾ وهو أنَّه لو لم يبصِّرك الله تعالى بواقع حالهم فرأيتهم حينذاك كما يقتضيه ظاهر عددهم لفشلتم أي لما عقدتم العزم على منازلتهم.
أو أنه تعالى لو كان قد ألقى في روعك الخوف فأدَّى ذلك إلى أن تستعظم شأنهم لفشلتم أي لما كان من عزمكم منازلتهم، وهذا من الفشل الذي مَن على المسلمين بصرفه عنهم .
ــــــ
1- سورة الأنفال/43.
2- سورة الأنفال/41.
3- سورة النساء/77.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد الريشهري
الفيض الكاشاني
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ نجم الدين الطبسي
جاسم بن محمد بن عساكر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّه
الكبر الرداء المحرّم
آثار الانتظار (3)
قد ينجح الطالب باستخدام تقنية ChatGPT لكن على حساب شيء آخر أهمّ
برنامج تأهيل المقبلين على الزّواج والمتزوّجين بنسخته الثّانية والعشرين
سفينة البحار ومدينة الحِكم والآثار
تمهيد في تعريف المفهوم
الكسل عنوان الفشل
يوسف الصدّيق، أسوة الشباب في القرآن الكريم
آثار الانتظار (2)