علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

في أي سنّ يصبح تعلّم لغة ثانية أسهل؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

لو رغبت في تعلم لغة أجنبية، يجب أن تبدأ قبل سن معين من أجل الإلمام بها بشكل كامل؟ الرأي العام يرى أن الأطفال الصغار يجدونها أسهل مما يجدها الراشدون لأن مرحلة الطفولة هي "الفترة الحرجة" لتعلم اللغة. إثبات ذلك كان صعبًا، ولكن هذه الدراسة(1)، التي نشرتها أنا وزملائي، وذلك باستخدام  تصوير الدماغ والأساليب الإحصائية المبتكرة، يشير في الواقع إلى أن قدرتنا على تعلم لغة تتضاءل تدريجيًّا مع تقدمنا في السن.

الشعار المألوف في أن الأطفال الناشئين في محيط لغة معينة "يتشربونها كما تتشرب قطعة الإسفنج الماء" في حين لا يبدو أن الراشدين لديهم هذه القدرة، هذه الظاهرة ليست في حد ذاتها دليلًا على وجود فترة حرجة لاكتساب لغة جديدة. لكن خلال هذه الفترة يكون اكتساب لغة ثانية أكثر سهولة وأهمية للأطفال ليجيدوا التحدث بها، سيما حين يعيشون في وسط يتكلم بها ويسمعونهم يتحدثون بها.

هناك أسباب كثيرة لذلك(2). لدى الأطفال وقت أطول ويمكنهم بذل جهد أكثر على تعلم اللغة الثانية  مما لدى الراشدين المشغولين بمهام  كثيرة وملحة ومتزاحمة. دافع الأطفال لتبني اللغة الثانية أعلى بكثير من دافع الراشدين، وعادات النطق والنحو في لغتهم الأولى ما زالت غير متأصلة بعمق في أدمغتهم، وبالتالي التغلب على مشكلات النطق والنحو يصبح أكثر سهولة. وبطبيعة الحال، اكتساب لغة ثانية يزداد صعوبة مع التقدم في السن.

ليس لأي من هذه العوامل أي علاقة بفترة حرجة معينة لاكتساب لغة من اللغات، ولكن هذه العوامل بأجمعها تجعل الأطفال الصغار يتفوقون على الأكبر سنًّا منهم في اكتساب لغة جديدة.

 

مشكلات النحو

بالإضافة إلى هذه الميزة الشاملة التدريجية للأطفال في اكتسابهم اللغة، هناك فارق نوعي ملحوظ: حتى متعلمو اللغة الجيدون جدًّا من الراشدين يختلفون عن الأطفال الصغار حين يتعلق الأمر بتطبيق قواعد اللغة بشكل صحيح ودائم. في كل مرة أجري فيه تقييمًا لنصوص من طلابي الراشدين ومعظمهم من الأقلية غير الناطقة بالإنجليزية، أجد أنه على الرغم من أنهم جيدون بشكل مدهش في استخدام مجموعة واسعة من المفردات والأسلوب المناسب والنحو المتقدم، فإنهم غالبًا ما يواجهون مشكلات مع بعض القواعد النحوية البسيطة، مثلًا، لا يستطيعون التفريق بين "هو يمشي he walks" و "هم يمشون they walk" ولا يفرقون بين معنيي الجملتين التاليتين: "أعيش في مدينة كولشستر Colchester من سنتين" بمعنى "أني ما زلت أعيش هناك" وجملة "لقد عشت في مدينة كولشستر مدة سنتين" بمعنى عشت فيها لسنتين ثم غادرتها.     

ويبدو أن هناك بعض "الجيوب" النحوية لا يزال الراشدون المتقدمون في التعليم يخفقون في استخدامها بشكل صحيح، في حين يجيدها الأطفال في وقت مبكر وبكل سهولة. هذه الملاحظة هي من صميم فكرة "الفترة الحرجة" هذه النافذة الزمنية المحدودة، يفترض عادة أن تستمر حتى سن البلوغ، والتي خلالها يكون الدماغ البشري حساسًا خصوصًا للتلقي اللغوي، بما في ذلك قواعد اللغة. بعد أن تنغلق هذه النافذة، فمن المفترض أن تُدَرس القواعد النحوية بشكل صريح وقبل أن يصبح  استيعابها صعبًا.

الأساليب الإحصائية التقليدية جيدة في التقاط الانخفاض البطيء في الكفاءة بين متعلمي اللغة الراشدين. ولكن كان من الصعب المرور على الفئات العمرية الكاملة والكشف عن متى يحدث هذا الانخفاض المفاجئ في الكفاءة الذي من شأنه أن يكون مؤشرًا على فترة الفترة الحرجة لتعلم لغة جديدة.

في دراستنا الأخيرة(3)، استخدمنا طريقة تحليل جديدة نسبيًّا، تدعى "النمذجة الجمعية المعممة،" [وهي عبارة عن تمثيل رياضي لنظام أو عملية بمجموعة من المعادلات الرياضية، تربط بين محددات النظام ومدخلاته ومخرجاته]. هذا فعالة في تقييم دقة نتيجة اكتساب اللغة خلال مرحلة العمر بأكمله، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى، كالوقت الذي يقضيه المتعلم في استخدام اللغة. قمنا بتحليل نشاط الدماغ بقياس إشارة التخطيط الدماغي الكهربي EEG، لـ 29 من الناطقين الأصليين و 66 من متعلمي اللغة كلغة ثانية من الألمان الذين سمعوا جملًا صحيحة وجملًا فيها أخطاء. عند سماعهم ألف لام التعريف في الألمانية مستخدمة في غير ما وضعت له (ألف لام  التعريفder للمذكر وdas للمؤنث) أصبح نشاط أدمغتهم قويًّا استجابةً لهذا الخطأ في الاستعمال النحوي.  لم يكن لدى متعلمي اللغة الثانية البالغ عددهم 66 أي استجابة لارتكاب هذا الخطأ النحوي إما على الإطلاق أو بدا أنهم تعاملوا مع الأمر على أنه خطأ في اختيار الكلمات، وليس خطأً في تطبيق القواعد النحوية. كان هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين تعلموا اللغة في وقت لاحق من حياتهم. لكن التغيير كان تدريجيًّا عبر الفئة العمرية بأكملها - لم يكن هناك "تغير كبير ملحوظ" - ما يشير إلى عدم وجود "فترة حرجة" معينة وأن الأمر كان مجرد مسألة عدم ترك البدء في تعلم اللغة إلى أن يفوت الأوان.

 

ما أهمية سن البلوغ؟

كان لدراستنا بعض العوامل المقيدة، والتي تسلط الضوء على الحاجة إلى مزيد من الدراسات. أولاً، جميع المتعلمين الذين اختبرناهم؛ كانوا إما يتحدثون البولندية أو الروسية كلغة أولى، وكلتا اللغتين، كالألمانية، تفرقان بين المذكر والمؤنث من الناحية النحوية. تعلم المشاركين قواعد النحو المستخدمة في لغتهم الأولى ربما مكّنهم من تطبيقها بشكل صحيح على اللغة الثانية.

ثانيًا، أصغر المتعلمين الذين قمنا بإدراجهم في الدراسة كان في السابعة من عمرهم عندما أتوا إلى ألمانيا. على الرغم من أن النظرة التقليدية للفترة الحرجة هي أنها تنتهي عند سن البلوغ، إلَّا أن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى أنها قد تكون في حدود الخامسة(3). لذلك من الممكن أن تكون دراستنا قد أخفقت في الكشف عن الفترة الحرجة لأنه حتى أصغر المشاركين كانوا قد تجاوزوا هذا السن بالفعل عندما بدأوا في تعلم اللغة الألمانية.

ولذلك هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة، فضلًا عن الاستخدام المستنير للأساليب الإحصائية الجديدة، للإجابة القطعية عن مسألة ما إذا كانت هناك فترة حرجة لتعلم اللغة.

ــــــــــــــــ

1- https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371%2Fjournal.pone.0143

2- https://assets.cambridge.org/97805216/32317/sample/9780521632317ws

3- http://3- https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/ZFSW.2009.002/html

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/at-what-age-is-it-easiest-to-learn-a-second-language-53840

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد