النّاس قوافل، تسير على طرق الحياة، وكلّ سيصل إلى غايته ويلقى مصيره الأبدي. ولكي لا نضيع في دروب الدنيا المتشعّبة، جعل الله لنا علامات هداية على طرقاتها، هي بوصلة سفرنا إلى الغاية المحمودة.
وهذه العلامات هي القيم الإيجابية التي تنسجم مع الفطرة الصافية.
ومن هذه القيم: قيمة الإنسان وحياته. وهنا نجد الفطرة السليمة ترفض قتل أي بريء رفضًا شديدًا.. ولأنّ الإسلام هو دين الفطرة، فقد جاء للحفاظ عليها كونها القاعدة الكبرى التي يبني عليها نظامه التربويّ الذي ينقذ الإنسانيّة ويسلك بها طرق الكمال.
ونجد التّأكيد الواضح في كل تعاليم الإسلام ونصوصه الشّريفة على كون قتل البريء هو جريمة كبرى عقابها الخلود في جهنم: {ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.[1]
ومن هنا، حين ننظر في منظومة القيم التي تدلّنا على القبح والحسن، نجد أنّ هذه الجريمة هي أكبر مانع من نيل رحمة الله، وأنّ من ارتكبها سوف يفقد مقوّمات الإيمان وشروط المغفرة. فلا شيء يمكن أن يجعل الإنسان بعيدًا عن رحمة الله يوم القيامة مثل قتل نفس محترمة أو المشاركة في قتلها.
وباختصار، إن أردتَ أن تستدل على أسوأ وأبغض إنسان في الدنيا، وإذا أردتَ أن تنظر إلى أبعد إنسان عن كرامة الله تعالى، فانظر إلى القاتل المجرم. فالمسلم الواقعيّ يرجو للكافر أكثر ممّا يرجو للقاتل.
وأحد أسباب هذه العاقبة الوخيمة هو كون استرجاع النفس المقتولة والتعويض عنها أمر غير ممكن في الدنيا؛ بخلاف السرقة التي يمكن معها إعادة المسروق إلى صاحبه والتعويض عنه، أو البهتان الذي يمكن الاعتراف به وإعادة نشر الحقيقة ورفع شأن المتضرّر به، أو الربا، أو الكثير من الموبقات والجنايات. ولكن ماذا يمكن للقاتل أن يفعل بشأن المقتول ظلمًا؟ هل يمكنه أن يحييه ويعوّض له عن حياته التي فقدها والتي تُعدّ أثمن شيء له في هذا العالم؟!
إنّ أي متأمّل في القبائح الفعليّة لا يحتاج إلى وقتٍ طويل حتّى يعلم أنّ قتل البريء هو على رأس المعاصي والجرائم والجنايات.
وإذا أراد المسلم أن يتكيّف مع هذا النّظام الدينيّ الفطريّ وينسجم معه ويجعله عنوان حياته وبوصلة رحلته إلى لقاء الله، فمن الطبيعيّ أن ينبذ القاتل المجرم أشدّ النبذ ويرفضه ويعاديه. وإن لم يفعل، فسرعان ما سيكون شريكًا حقيقيًّا في جرائمه التي سيرتكبها نتيجة إهمال التصدّي له.
وفي الحدّ الأدنى، ما يمكن للمسلم أن يقوم به تجاه هذه القضية هو: أن لا يعظّم القاتل المجرم ولا يرفع من شأنه ولا يقبل بتوليته المناصب الاجتماعية والمسؤوليات القيادية في المجتمع المسلم. فلا يوجد أضعف من هذا الإيمان.
أمّا أن يجلّه ويعظّمه ويتولّاه ويعتبره صاحب ولاية على المسلمين، فهذا دليل على انطفاء نور الفطرة في قلبه بصورةٍ فظيعة. الأمر الذي يُعدّ كارثة كبرى تحكي عن أسوأ عاقبة.
وممّا يؤسف له أنّ عصبيّة الكثير من المسلمين جعلتهم يعظّمون قتلة ومجرمين عبر التاريخ، مع علمهم بأنّهم كانوا يقتلون النّفس التي حرّم الله، مثل معاوية وابنه يزيد، أو من سبقهم في حرب الجمل (حيث اعتبر هؤلاء المتعصّبون ما حدث فيها اجتهادًا خاطئًا وليس جريمة نكراء راح ضحيّتها الآلاف).
وقد كنت طوال حياتي ألتقي بأمثال هؤلاء المتعصّبين، وكنت أرى فيهم أنّهم يعلمون بهذه الجرائم، لكنّهم لم يكونوا يشعرون بالأسى ولو بقدر ذرّة. فكيف يصل الإنسان إلى مثل هذا الضياع؟ ولماذا أضاعت الأكثرية السّاحقة من المسلمين هذه البوصلة؟
إذا أردت أن تدرك أحد أهم أسباب ضياع المسلمين وتدهور أحوالهم، فابدأ من هذه القيمة. فمن لا يعظّم الحياة والإنسان، لا يحق له أن يعيش كريمًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. سورة آل عمران، الآية 21.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الذّكر والتّقوى، أمان وقوّة
حين تضيع القيَم!
تفسير سورة الفاتحة
حقيقة بكاء السماء والأرض في القرآن الكريم
كتاب جديد بعنوان: أوضح البيان في حقيقة الأذان
أحلام المشهدي تشارك في معرض ثلاثيّ في الأردن
الإمام الرضا عليه السلام: 19 عاماً من الجهاد
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (3)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)