مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

ذكاء لمحاسبة النفس

تحدّث بعض علماء النفس عن وجود ذكاء خاص حول النفس. الذكاء الذي يجعل صاحبه أكثر إدراكًا ووعيًا لذاته بما فيها من عقائد وأفكار ومشاعر وعادات وطبائع وسلوكيات. غالبًا ما تحصل القطيعة بين الإنسان ونفسه وهذا ما نُطلق عليه عنوان الغربة عن الذات. وحين تصل الغربة إلى هذا المستوى قد يتطلّب الأمر وقوع بعض الأحداث التي يُمكن أن تُرجع الإنسان إلى نفسه. قام إبراهيم الخليل عليه السلام بمثل هذا العمل مع قومه حين حطّم الأصنام. شعر هؤلاء بمدى سخافتهم وهم يعبدون أحجارًا لا تتفاعل معهم.

 

ككل ذكاء، يحتاج ذكاء الوعي الذاتي إلى العلم حتى يزدهر وينتج. مهما توجّهت قواك الإدراكية وتمركزت حول شيءٍ ما، فإنك إن لم تمتلك بعض العلم بهذا الشيء فلا ينفعك مثل هذا التركيز. يضيع ذكاؤك هنا لأنّه قد لا يُثمر.

 

 وفيما يتعلّق بالنفس كان دور الوحي الإلهي مصيريًّا، وذلك عبر تنبيه الأنبياء إلى حقائق كبرى وأحداث لا بدّ أن تقع في النهاية. لو فكّر هذا الإنسان الذكي بيوم الحساب الحتمي لاشتدّ ذكاؤه وتوجُّهه إلى محاسبة نفسه. هنا سينبعث فيه هذا الجانب المهم من الذكاء الذي يمكن أن نُطلق عليه ذكاء محاسبة النفس.

 

الذين يحاسبون أنفسهم يختلفون من حيث قوة المحاسبة ودقتها، كما قد يختلف عمال المحاسبة في الشركات، حيث يتمكّن بعضهم من اكتشاف ثغراتٍ مهمة خفيت على غيرهم وكانت تُشير إلى حصول اختلاسات بملايين الدنانير.

 

يعلم الذين فهموا يوم الحساب أنّه لا يترك صغيرة ولا كبيرة، وأنّ كل ما عملوه في الدنيا سيجدونه هناك محضرًا، وأنّه ما من ذرّة خيرٍ أو شر إلا وسيرونها في ذلك المحضر الذي قيل عنه بأنّ أي إنسان يُستدعى إليه فسوف يهلك حتمًا، مهما كان هذا الإنسان!

 

تستدعي هذه المعارف تركيزًا أكبر على محاسبة النفس. وفي ظلّ هذا التركيز قد يُطوّر الذكي مهاراتٍ تجعله يختصر الكثير من العناء عند محاسبة نفسه.

 

فمع توجُّه الإنسان إلى يوم الحساب كحقيقة كبرى مصيرية، ومع تمركز تفكيره وبحثه في تفاصيل نفسه، يُتوقّع أن يصبح ذكيًّا جدًّا في اكتشاف عيوبه ونواقصه وأخطائه ومعاصيه. لأجل ذلك، يجب تعميق حضور ذلك اليوم في هذا العالم على قاعدة: "لَيْسَ‏ مِنَّا مَنْ‏ لَمْ‏ يُحَاسِبْ‏ نَفْسَهُ‏ فِي كُلِّ يَوْم‏"،[1] وتعميق الاهتمام بمحاسبة النفس على قاعدة: "لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ مُحَاسَبَةِ الشَّرِيكِ‏ شَرِيكَهُ‏ وَالسَّيِّدِ عَبْدَه"‏.[2]

 

ومن الآثار والثمار الطيبة المتوقَّعة من هذا الذكاء: أن ينشغل المرء عن عيوب غيره بعيوب نفسه، كما تمّ التأكيد عليه في إرشادات ووصايا المعصومين، وأن يصبح حضور النفس أكثر قوة عنده، فتزول معها الغربة عن الذات والقطيعة، ويتصل بالروح الإلهي الذي هو أصله ومنشؤه، حيث النور المحيط بعوالم السماء والأرض؛ فتحصل له الإحاطة بالزمان والمكان ويُشرف على عالم الملكوت. فنتاج محاسبة النفس ومراقبتها هو مراقبة الحق المتعال والشعور بقوة حضوره في الحياة، الأمر الذي يُعد هدفًا أساسيًّا لوجودنا والمعنى الكامن في الذكر الممدوح.

 

ومن ثمار هذا الذكاء أن يُحب المرء كلّ نقد يوجَّه إليه ويُرحّب به مهما كان مرًّا أو بعيدًا عن الإنصاف؛ فإن كان واقعيًّا يعمل على التخلُّص من هذا العيب، وإن كان افتراءً أو غير صائب صار أكثر حذرًا من الوقوع فيه. فيُصبح نقد الآخرين له أحلى عنده من طعم العسل لأنّه يزيد من وعيه وقوة محاسبته. ومثل هذا الشخص واسع الصدر يجذب كل قريبٍ وبعيد بلطف معشره وليونته فيكون الأقوى من بين الجميع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. الكافي، ج2، ص453.

[2]. محاسن النفس، ص14.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد