بكاء أبيه الإمام عليّ(ع)
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (ع) قَالَ: مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِكَرْبَلَاءَ فَلَمَّا مَرَّ بِهَا اغْرَورَقَتْ عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ، وهَذَا مُلْقَى رِحَالِهِمْ، وهَاهُنَا تُهْرَقُ دِمَاؤُهُمْ، طُوبَى لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ عَلَيْهَا تُهْرقُ دِمَاءُ الْأَحِبَّةِ.[1]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَع أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي خَرْجَتِهِ إِلَى صِفِّينَ فَلَمَّا نَزَلَ بِنَيْنَوى وهُو شَطُّ الْفُرَاتِ قَالَ بِأَعْلَى صَوتِهِ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَعْرِفُ هَذَا الْمَوضِعَ؟
قَالَ: قُلْتُ: مَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: لَو عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حَتَّى تَبْكِيَ كَبُكَائِي.
قَالَ: فَبَكَى طَويلًا حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وسَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى صَدْرِهِ وبَكَيْنَا مَعَهُ وهُو يَقُولُ: أَوهْ! أَوهْ! مَا لِي ولِآلِ أَبِي سُفْيَانَ! مَا لِي ولِآلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وأَولِيَاءِ الْكُفْرِ! صَبْرًا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ لَقِيَ أَبُوكَ مِثْلَ الَّذِي تَلْقَى مِنْهُمْ...
قَالَ بِأَعْلَى صَوتِهِ: يَا رَبَّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ! لَا تُبَارِكْ فِي قَتَلَتِهِ والْحَامِلِ عَلَيْهِ والْمُعِينِ عَلَيْهِ والْخَاذِلِ لَهُ. ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَويلًا وبَكَيْنَا مَعَهُ حَتَّى سَقَطَ لِوجْهِهِ وغُشِيَ عَلَيْهِ طَويلًا، ثُمَّ أَفَاق.[2]
بكاء أمه فاطمة بنت رسول الله (ص)
عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (ص) ـ لفاطمة (ع) ـ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَبَشَّرَنِي بِفَرْخَيْنِ يَكُونَانِ لَكَ، ثُمَّ عُزِّيتُ بِأَحَدِهِمَا، وعَرَفْتُ أَنَّهُ يُقْتَلُ غَرِيبًا عَطْشَانًا.
فَبَكَتْ فَاطِمَةُ حَتَّى عَلَا بُكَاؤُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَهْ! لِمَ يَقْتُلُونَهُ وأَنْتَ جَدُّهُ، وأَبُوهُ عَلِيٌّ، وأَنَا أُمُّهُ؟
قَالَ: يَا بُنَيَّةِ، لِطَلَبِهِمُ الْمُلْكَ. أَمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ سَيْفٌ لَا يُغْمَدُ إِلَّا عَلَى يَدِ الْمَهْدِيِّ مِنْ ولْدِكَ.[3]
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أُحَدِّثُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فَقَالَ لَهُ: مَرْحَبًا وضَمَّهُ وقَبَّلَهُ، وقَالَ: حَقَّرَ اللَّهُ مَنْ حَقَّرَكُمْ وانْتَقَمَ مِمَّنْ وتَرَكُمْ وخَذَلَ اللَّهُ مَنْ خَذَلَكُمْ ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَكُمْ وكَانَ اللَّهُ لَكُمْ ولِيًّا وحَافِظًا ونَاصِرًا. فَقَدْ طَالَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وبُكَاءُ الْأَنْبِيَاءِ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ ومَلَائِكَةِ السَّمَاءِ.
ثُمَّ بَكَى، وقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ! إِذَا نَظَرْتُ إِلَى ولْدِ الْحُسَيْنِ أَتَانِي مَا لَا أَمْلِكُهُ بِمَا أَتَى إِلَى أَبِيهِمْ وإِلَيْهِمْ.
يَا أَبَا بَصِيرٍ! إِنَّ فَاطِمَةَ (ع) لَتَبْكِيهِ وتَشْهَقُ فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَولَا أَنَّ الْخَزَنَةَ يَسْمَعُونَ بُكَاءَهَا وقَدِ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عُنُقٌ أَو يَشْرُدَ دُخَانُهَا فَيُحْرِقَ أَهْلَ الْأَرْضِ فَيَحْفَظُونَهَا [فَيَكْبَحُونَهَا] مَا دَامَتْ بَاكِيَةً، ويَزْجُرُونَهَا ويُوثِقُونَ مِنْ أَبْوابِهَا مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَلَا تَسْكُنُ حَتَّى يَسْكُنَ صَوتُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء. وإِنَّ الْبِحَارَ تَكَادُ أَنْ تَنْفَتِقَ فَيَدْخُلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ومَا مِنْهَا قَطْرَةٌ إِلَّا بِهَا مَلَكٌ مُوكَّلٌ، فَإِذَا سَمِعَ الْمَلَكُ صَوتَهَا أَطْفَأَ نَارَهَا بِأَجْنِحَتِهِ وحَبَسَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ مَخَافَةً عَلَى الدُّنْيَا ومَا فِيهَا ومَنْ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ مُشْفِقِينَ يَبْكُونَهُ لِبُكَائِهَا ويَدْعُونَ اللَّهَ ويَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ ويَتَضَرَّعُ أَهْلُ الْعَرْشِ ومَنْ حَولَهُ وتَرْتَفِعُ أَصْواتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّقْدِيسِ لِلَّهِ مَخَافَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. ولَو أَنَّ صَوتاً مِنْ أَصْواتِهِمْ يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ لَصَعِقَ أَهْلُ الْأَرْضِ وتَقَطَّعَتِ الْجِبَالُ وزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَظِيمٌ!
قَالَ: غَيْرُهُ أَعْظَمُ مِنْهُ مَا لَمْ تَسْمَعْهُ.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا بَصِيرٍ! أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ فِيمَنْ يُسْعِدُ فَاطِمَةَ (ع)؟
فَبَكَيْتُ حِينَ قَالَهَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَى الْمَنْطِقِ ومَا قَدَرَ عَلَى كَلَامِي مِنَ الْبُكَاءِ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمُصَلَّى يَدْعُو، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَمَا انْتَفَعْتُ بِطَعَامٍ ومَا جَاءَنِي النَّومُ وأَصْبَحْتُ صَائِمًا وجِلًا حَتَّى أَتَيْتُهُ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ سَكَنَ سَكَنْتُ وحَمِدْتُ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ تَنْزِلْ بِي عُقُوبَةٌ.[4]
فُرَاتٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ مُعَنْعَنًا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ [ع] مَعَ أُمِّهِ تَحْمِلُهُ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ (ص) وقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ، ولَعَنَ اللَّهُ سَالِبَكَ، وأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَوازِرِينَ عَلَيْكَ، وحَكَمَ اللَّهُ بَيْنِي وبَيْنَ مَنْ أَعَانَ عَلَيْكَ.
قَالَتْ فَاطِمَةُ (ع): يَا أَبَتِ أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ؟
قَالَ: يَا بِنْتَاهْ ذَكَرْتُ مَا يُصِيبُ بَعْدِي وبَعْدَكِ مِنَ الْأَذَى والظُّلْمِ [والْغَدْرِ] والْبَغْيِ وهُو يَومَئِذٍ فِي عَصَبَةٍ كَأَنَّهُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ يَتَهَادَونَ إِلَى الْقَتْلِ وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ وإِلَى مَوضِعِ رِحَالِهِمْ وتُرْبَتِهِمْ.
قَالَتْ: يَا أَبَتِ وأَنَّى [وأي وأَيْنَ] هَذَا الْمَوضِعُ الَّذِي تَصِفُ؟
قَالَ: مَوضِعٌ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاء،ُ وهِيَ دَارُ كَرْبٍ وبَلَاءٍ عَلَيْنَا وعَلَى الْأُمَّةِ. يَخْرُجُ [عَلَيْهِمْ] شِرَارُ أُمَّتِي وإِنَّ أَحَدَهُمْ لَو[ولَو أَنَّ أَحَدَهُمْ لو أن] يَشْفَعُ [شَفَعَ] لَهُ مَنْ فِي السَّمَاواتِ والْأَرَضِينَ مَا شُفِّعُوا فِيهِ وهُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ.
قَالَتْ: يَا أَبَهْ فَيُقْتَلُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا بِنْتَاهْ! ومَا قُتِلَ قِتْلَتَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ، وتَبْكِيه السَّمَاواتُ والْأَرَضُونَ والْمَلَائِكَةُ [والْوحْشُ] والنَّبَاتَاتُ والْبِحَارُ والْجِبَالُ ولَويُؤْذَنُ لَهَا [مَا بَقِيَ] عَلَى الْأَرْضِ مُتَنَفِّسٌ، ويَأْتِيهِ قَومٌ مِنْ مُحِبِّينَا لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمَ بِاللَّهِ ولَا أَقْومَ بِحَقِّنَا [لِحَقِّنَا] مِنْهُمْ ولَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ؛ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَورِ وهُمُ الشُّفَعَاءُ وهُمْ وارِدُونَ حَوضِي غَدًا، أَعْرِفُهُمْ إِذَا ورَدُوا عَلَيَّ بِسِيمَاهُمْ وكُلُّ أَهْلِ دِينٍ [يَطْلُبُونَ أَئِمَّتَهُمْ وهُمْ] يَطْلُبُونَّا [و] لَا يَطْلُبُونَ غَيْرَنَا وهُمْ قُوامُ الْأَرْضِ وبِهِمْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ [الزَّهْرَاءُ](ع): يَا أَبَتِ! إِنَّا لِلَّهِ، وبَكَتْ.
فَقَالَ لَهَا: يَا بِنْتَاهْ! إِنَّ أَهْلَ الْجِنَانِ هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي الدُّنْيَا {بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}، فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا، [ومَا فِيهَا] قَتْلَةٌ أَهْونُ مِنْ مَيْتَتِهِ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ خَرَجَ إِلَى مَضْجَعِهِ ومَنْ لَمْ يُقْتَلْ فَسَوفَ يَمُوتُ.[5]
بكاء الإمام زين العابدين (ع)
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ(ع) قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يُصَلِّي فِي الْيَومِ واللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ... لَقَدْ كَانَ بَكَى عَلَى أَبِيهِ الْحُسَيْنِ (ع) عِشْرِينَ سَنَةً ومَا وضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلَّا بَكَى، حَتَّى قَالَ لَهُ مَولًى لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ؟!
فَقَالَ لَهُ: ويْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ النَّبِيَّ (ع) كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْنًا فَغَيَّبَ اللَّهُ عَنْهُ واحِدًا مِنْهُمْ، فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَيْهِ، وشَابَ رَأْسُهُ مِنَ الْحُزْنِ، واحْدَودَبَ ظَهْرُهُ مِنَ الْغَمِّ، وكَانَ ابْنُهُ حَيًّا فِي الدُّنْيَا، وأَنَا نَظَرْتُ إِلَى أَبِي وأَخِي وعَمِّي وسَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَقْتُولِينَ حَولِي فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي؟![6]
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْبَحْرَانِيِّ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: الْبَكَّاءُونَ خَمْسَةٌ آدَمُ ويَعْقُوبُ ويُوسُفُ وفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع).
فَأَمَّا آدَمُ فَبَكَى عَلَى الْجَنَّةِ حَتَّى صَارَ فِي خَدَّيْهِ أَمْثَال الْأَودِيَةِ.
وأَمَّا يَعْقُوبُ فَبَكَى عَلَى يُوسُفَ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ وحَتَّى قِيلَ لَهُ: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَو تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ}.
وأَمَّا يُوسُفُ فَبَكَى عَلَى يَعْقُوبَ حَتَّى تَأَذَّى بِهِ أَهْلُ السِّجْنِ، فَقَالُوا لَهُ: إِمَّا أَنْ تَبْكِيَ اللَّيْلَ وتَسْكُتَ بِالنَّهَارِ، وإِمَّا أَنْ تَبْكِيَ النَّهَارَ وتَسْكُتَ بِاللَّيْلِ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى واحِدٍ مِنْهُمَا.
أَمَّا فَاطِمَةُ فَبَكَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) حَتَّى تَأَذَّى بِهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهَا: قَدْ آذَيْتِنَا بِكَثْرَةِ بُكَائِكِ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ إِلَى الْمَقَابِرِ، مَقَابِرِ الشُّهَدَاءِ فَتَبْكِي حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا، ثُمَّ تَنْصَرِفُ.
وأَمَّا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَبَكَى عَلَى الْحُسَيْنِ (ع) عِشْرِينَ سَنَةً أَو أَرْبَعِينَ سَنَة، مَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلَّا بَكَى حَتَّى قَالَ لَهُ مَولًى لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ.
قالَ: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، إِنِّي مَا أَذْكُرُ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلَّا خَنَقَتْنِي لِذَلِكَ عَبْرَةٌ.[7]
بكاء الإمام الباقر (ع)
عَنِ الْكُمَيْتِ بْنِ زَيْدٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) فَقَالَ: واللَّهِ يَا كُمَيْتُ لَو كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ مِنْهُ، ولَكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: لَنْ يَزَالَ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا أهل البيت.[8]
عَنِ الْورْدِ بْنِ الْكُمَيْتِ عَنْ أَبِيهِ الْكُمَيْتِ بْنِ أَبِي الْمُسْتَهِلِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ(ع) فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي قَدْ قُلْتُ فِيكُمْ أَبْيَاتًا أَفَتَأْذَنُ لِي فِي إِنْشَادِهَا؟
فَقَالَ: إِنَّهَا أَيَّامُ الْبَيْضِ.
قُلْتُ: فَهُو فِيكُمْ خَاصَّةً.
قَالَ: هَاتِ. فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
أضحكني الدهر وأبكاني والدهر ذو صَرف وألوان
لتسعةٍ بالطف قد غودروا صاروا جميعًا رهن أكفان
فَبَكَى (ع) وبَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وسَمِعْتُ جَارِيَةً تَبْكِي مِنْ ورَاءِ الْخِبَاءِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى قَولِي:
وستة لا يُتجارى بهم بنو عقيل خير فتيان
ثمّ عليّ الخير مولاكم ذكرهم هيّج أحزاني
فَبَكَى ثُمَّ قَالَ (ع): مَا مِنْ رَجُلٍ ذَكَرَنَا أَو ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ مَاءٌ ولَو قَدْرَ مِثْلِ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وجَعَلَ ذَلِكَ حِجَابًا بَيْنَهُ وبَيْنَ النَّارِ. فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى قَولِي:
من كان مسرورًا بما مسّكم أو شامتًا يومًا من الآن
فقد ذللتم بعد عزٍّ فما أدفع ضيمًا حين يغشاني
أَخَذَ بِيَدِي وقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْكُمَيْتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ. فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى قَولِي:
متى يقوم الحق فيكم متى يقوم مهديكم الثاني
قَالَ: سَرِيعًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَرِيعًا. ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِّ إِنَّ قَائِمَنَا هُو التَّاسِعُ مِنْ ولْدِ الْحُسَيْنِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) اثْنَا عَشَرَ، وهُو الْقَائِم.
قُلْتُ: يَا سَيِّدِي فَمَنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ؟
قَالَ: أَولُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وبَعْدَهُ الْحَسَنُ والْحُسَيْنُ وبَعْدَ الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وأَنَا؛ ثُمَّ بَعْدِي هَذَا ووضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِ جَعْفَرٍ، قُلْتُ: فَمَنْ بَعْدَ هَذَا؟
قَالَ: ابْنُهُ مُوسَى، وبَعْدَ مُوسَى ابْنُهُ عَلِيٌّ، وبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وبَعْدَ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ عَلِيٌّ، وبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وهُو أَبُوالْقَائِمِ الَّذِي يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطًا وعَدْلًا ويَشْفِي صُدُورَ شِيعَتِنَا. قُلْتُ: فَمَتَى يَخْرُجُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ لَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ السَّاعَةِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً.[9]
ما خرج من الناحية المقدسة
في زيارة الناحية: فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي الدُّهُورُ، وعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ الْمَقْدُورُ، ولَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِبًا، ولِمَنْ نَصَبَ لَكَ الْعَدَاوةَ مُنَاصِبًا، فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحًا ومَسَاءً، ولَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمًا، حَسْرَةً عَلَيْكَ وتَأَسُّفًا عَلَى مَا دَهَاكَ وتَلَهُّفًا، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوعَةِ الْمُصَابِ وغُصَّةِ الِاكْتِيَاب.[10]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. خصائص الأئمة(ع)، ص47.
[2]. كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص533.
[3]. دلائل الإمامة، ص 102.
[4]. كامل الزيارات، ص82.
[5]. تفسير فرات الكوفي، ص171.
[6]. الخصال، ج2، ص518.
[7]. الخصال، ج1، ص272.
[8]. الكافي، ج8، ص102.
[9]. كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص248.
[10]. المزار الكبير، ص501.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد جواد البلاغي
حيدر حب الله
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد علي التسخيري
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد جعفر مرتضى
الشيخ حسن المصطفوي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
حقائق حول الخسوف والكسوف
عوائق وعوامل صعود الأعمال
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ..}
النص القرآني: المكانة والدّور
مشاهير مفسري الشيعة في القرنين الخامس والسادس (1)
منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (1)
وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (1)
(عصمة الرسول الأعظم في القرآن الكريم) كتاب جديد للسّيد ضياء الخباز
اختيار النبيّ (ص) لخديجة (ع)
المذاهب الأخلاقية