هل كان لقمان نبيًّا؟
نُسب إلى عدد من العلماء أنّهم يعتبرون لقمان نبيّاً، ولكن ورد في تفسير الثعلبي ما يلي: اتّفق العلماء على أنّه كان حكيماً ولم يكن نبيًّا، إلّا عكرمة فإنّه قال: كان لقمان نبيًّا، تفرّد بهذا القول. «1»
أمّا الطبرسي قدس سره فقد قال في مجمع البيان ما يلي: اختُلف في لقمان، فقيل: إنّه كان حكيماً ولم يكن نبيًّا، عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وأكثر المفسّرين، وقيل: إنّه كان نبيًّا، عن عكرمة والسدي والشعبي. «2»
والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تنفي نبوّة لقمان صراحة، كما نُقل عن رسول اللَّه (ع) أنّه قال: «حقّاً أقول: لم يكن لقمان نبيًّا...». «3»
تجدر الإشارة إلى أنّه إن كان مراد القائلين بنبوّته، هو النبوّة الإنبائية أمكن التوفيق بين رأيهم وبين ما ورد في الروايات.
سرّ نيل لقمان الحكمة
آخر وأهمّ ملاحظة في حياة لقمان، وأكثرها بعداً تربويّاً، هي السرّ الكامن وراء نيله الحكمة. ويمكن القول بعبارة أخرى ما الّذي فعله لقمان في حياته فمنّ اللَّه عليه بنعمةِ الحكمة؟ فلو كُشف عن هذا السرّ لغدا بميسور الآخرين أيضاً أن يُسخّروا طاقاتهم وجهودهم لنيل نور الحكمة.
وتتلخّص الإجابة الاجمالية عن هذا السؤال في أنّ لنور الحكمة - وفقاً لمقتضيات السنّة الإلهية - مبادِئه الخاصّة «4»، وأهمّ هذه المبادئ هو: الإيمان، والإخلاص، والعمل الصالح، والزهد، وأكل الحلال. ومِن ألـمَع الأقوال الجامعة لمبادئ الحكمة، قول منسوب إلى إمام الحكماء عليّ (ع) يقول فيه: «مَن أخلَصَ للَّهِ أربَعينَ صَباحاً، يَأكُلُ الحَلالَ، صائِماً نَهارَهُ، قائِماً لَيلَهُ، أجرَى اللَّهُ سُبحانَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ». «5»
أمّا الإجابة التفصيلية عن التساؤل الآنف ذكره بشأن لقمان، فقد أشير في روايات مختلفة إلى أمور متعدّدة من مبادئ الحكمة، كالّذي ورد في الحديث النبويّ الشريف:
«حَقّاً أقول: لَم يَكُن لُقمانُ نَبِيّاً ولكِن كانَ عَبداً كَثيرَ التَّفَكُّرِ، حَسَنَ الَيقينِ أحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ وَمَنَّ عَلَيهِ بِالحِكمَةِ». «6»
وجاء في رواية أخرى: «وَقَفَ رَجُلٌ على لُقمانَ الحَكيمِ فَقالَ: أنتَ لُقمانُ أنتَ عَبدُ بَني النَّحّاسِ؟ قالَ: نَعَم. قالَ: فَأَنتَ راعِي الغَنَمِ الأَسوَدُ؟ قالَ: أمّا سَوادي فَظاهِرٌ، فَمَا الَّذي يُعجِبُكَ مِن أمري؟ قالَ: وَطءُ النّاسِ بِساطَكَ، وغَشيُهُم بابَكَ، ورِضاهُم بِقَولِكَ.
قالَ: يَا ابنَ أخي، إن صَنَعتَ ما أقولُ لَكَ كُنتَ كَذلِكَ. قالَ: ما هُوَ؟ قالَ لُقمانُ: غَضّي بَصَري، وكَفّي لِساني، وعِفَّةُ مَطعَمي، وحِفظي فَرجي، وقِيامي بِعُدَّتي، ووَفائي بِعَهدي، وَتكرِمَتي ضَيفي، وحِفظي جاري، وتَركي ما لا يَعنيني، فَذاك الَّذي صَيَّرَني كَما تَرى». «7»
ونقرأ في نقلٍ آخر: «قيلَ لِلُقمانَ: ألَستَ عَبدَ آلِ فُلانٍ؟ قالَ: بَلى. قيلَ: فَما بَلَغَ بِكَ ما نَرى؟ قالَ: صِدقُ الحَديثِ، وأداءُ الأَمانَةِ، وتَركُ ما لا يَعنيني، وغَضُّ بَصَري، وكَفُّ لِساني، وعِفَّةُ طُعمَتي، فَمَن نَقَصَ عَن هذا فَهُوَ دوني، ومَن زادَ عَلَيهِ فَهُوَ فَوقي، ومَن عَمِلَهُ فَهُوَ مِثلي». «8»
وجاء في رواية أخرى: إنَّ رَجُلًا مَرَّ بِلُقمانَ (ع) وَالنّاسُ عِندَهُ، فَقالَ: ألَستَ عَبدَ بَني فُلانٍ؟ قالَ : بَلى. قالَ: الَّذي كُنتَ تَرعى عِندَ جَبَلٍ كَذا وكَذَا؟ قالَ: بَلى. قالَ: مَا الَّذي بَلَغَ بِكَ ما أرى؟ قالَ: صِدقُ الحَديثِ، وطولُ السُّكوتِ عَمَّا لا يَعنيني». «9»
وقال قطب الدين الراوندي في كتاب لبّ اللباب: «إنَّ لُقمانَ رَأى رُقعَةً فيها بِسمِ اللَّهِ، فَرَفَعَها وأكَلَها، فَأَكرَمَهُ بِالحِكمَةِ». «10»
وأجمع كلمة تضمنت أسباب نيل لقمان للحكمة، هي ما قاله الصادق (ع): «أما وَاللَّهِ ما أوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ، ولكِنَّهُ كانَ رَجُلًا قَوِيّاً في أمرِ اللَّهِ، مُتَوَرِّعاً فِي اللَّهِ، ساكِتاً، سَكيناً، عَميقَ النَّظَرِ، طَويلَ الفِكرِ، حَديدَ النَّظَرِ، مُستعبراً بِالعِبَرِ، لَم يَنَم نَهاراً قَطُّ. ولَم يَرَهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ عَلى بَولٍ ولا غائِطٍ ولَا اغتِسالٍ؛ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وعُمقِ نَظَرِهِ وتَحَفُّظِهِ في أمرِهِ.
ولَم يَضحَك مِن شَيءٍ قَطُّ؛ مَخافَةَ الإِثمِ، ولَم يَغضَب قَطُّ، ولَم يُمازِح إنساناً قَطُّ، ولَم يَفرَح بِشَيءٍ إن أتاهُ مِن أمرِ الدُّنيا، ولا حَزِنَ مِنها عَلى شَيءٍ قَطُّ.
وَقَد نَكَحَ مِنَ النِّساءِ ووُلِدَ لَهُ الأَولادُ الكَثيرَةُ، وقَدَّمَ أكثَرَهُم إفراطاً، فَما بَكى عَلى مَوتِ أحَدٍ مِنهُ . وَلَم يَمُرَّ بِرَجُلَينِ يَختَصِمانِ أو يَقتَتِلانِ إلّا أصلَحَ بَينَهُما، ولم يَمضِ عَنهُما حَتّى يَحابّا، ولَم يَسمَع قَولًا قَطُّ مِن أحَدٍ استَحسَنَهُ إلّاسَأَلَ عَن تَفسيرِهِ وعَمَّن أخَذَهُ. وكانَ يُكثِرُ مُجالَسَةَ الفُقَهاءِ وَالحُكَماءِ، وكانَ يَغشَى القُضاةَ وَالمُلوكَ وَالسَّلاطينَ، فَيَرثي لِلقُضاةِ مِمَّا ابتُلوا بِهِ، ويَرحَمُ المُلوكَ وَالسَّلاطينَ لِغِرَّتِهِم بِاللَّهِ وطُمَأنينَتِهِم في ذلِكَ، ويَعتَبِرُ ويَتَعَلَّمُ، ما يَغلِبُ بِهِ نَفسَهُ، ويُجاهِدُ بِهِ هَواهُ، ويَحتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّيطانِ، فَكانَ يُداوي قَلبَهُ بِالفِكرِ ويُداوي نَفسَهُ بِالعِبَرِ، وكانَ لا يَظعَنُ إلّا فيما يَنفَعُهُ. فَبِذلِكَ أوتِيَ الحِكمَةَ ومُنِحَ العِصمَةَ». «11»
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الروايات لا اختلاف ولا تعارض بينها؛ وذلك لأنّ كلّ واحدة منها تشير إلى جوانب من مبادئ الحكمة الحقيقية الّتي أعطيها لقمان. وبعبارة أخرى لكلّ هذه الخطوات دورها وتأثيرها في انبثاق نور الحكمة الّتي حباها اللَّه عزّ وجلّ للقمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). تفسير الثعلبي: ج 7 ص 312.
(2). مجمع البيان: ج 8 ص 439.
(3). راجع: ص 41 ح 20.
(4). راجع: موسوعة العقائد الإسلاميّة في الكتاب والسنّة: ج 2 ، المعرفة / القسم الخامس / الفصلالأوّل: مبادئ العلم والحكمة.
(5). مسند زيد بن علي: ص 384.
(6). مجمع البيان: ج 8 ص 494، بحار الأنوار: ج 13 ص 424.
(7). البداية والنهاية: ج 2 ص 124، تفسير ابن كثير: ج 6 ص 337.
(8). تنبيه الخواطر: ج 2 ص 230، بحار الأنوار: ج 13 ص 426 ح 21.
(9). الصمت لابن أبي الدنيا: ص 296 ح 675، الدرّ المنثور: ج 6 ص 512.
(10). مستدرك الوسائل: ج 4 ص 389 ح 4995.
(11). تفسير القمّي: ج 2 ص 162، بحار الأنوار: ج 13 ص 409 ح 2.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
محمد رضا اللواتي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
د. سيد جاسم العلوي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
قصة أصحاب الكهف في القرآن
إحياء الموسم الحسيني... حياة
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)
الفجوة بين عمر الدماغ الزمني والبيولوجي وتأثيرها على التفكير والذاكرة
الحالة العامة في معسكر الأعداء (2)
زكي السالم: جرّب أن تكون اللّغة آخر همّك
الصبر والثبات في أيام الشدّة
سؤال عن أخلاق مرحلة (ما بعد الإنسانية)
كيف نواجه الأزمات والابتلاءات؟
رحلة إلى بلاد الألف ملّة