
ساد العالم الإسلامي بعد وفاة الرسول هزّة عنيفة، وكان محور هذه العاصفة يدور حول منصب (الخلافة)، ثمّ انتقل إلى كلِّ ما يرتبط بهذا المنصب، منها قرار مصادرة أرض (فدك)، التي وهبها الرسول (صلّى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السلام) استناداً إلى مصالح مهمة، فقد صودرت من قِبل النظام الحاكم (1).
لاحظت فاطمة (عليها السلام) أنّ هذا التجاوز الواضح، وما رافقه من تجاهل للأحكام الإسلامية في هذا الأمر، سيجرف الأمّة الإسلامية إلى انحراف كبير عن تعاليم الإسلام وسُنة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله)، والاندفاع نحو تقاليد الجاهلية، من ناحية أخرى فإنّها مقدمة لفرض، إقامة جبرية على عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومحاصرته وأصحابه اقتصادياً؛ لذا بدأت بالدفاع عن حقها أمام غاصبي (فدك)، وطالبت بكل وجودها بإعادة حقها السليب، لكن النظام الحاكم رفض أداء حقها؛ بحجة باطلة وحديث موضوع (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث).
أقبلت سيدة نساء العالمين مع لُمة من نساء بني هاشم إلى مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله)؛ لتعلن عن رأيها وظلامتها أمام جمهور المسلمين، وسادات المهاجرين والأنصار؛ حتى تتمَّ حجتها، وتكشف حجج هذا الغصب العجيب والمصادرة الظالمة من قِبل جهاز النظام، إضافةً إلى فضح صفوف المدافعين عن سياسة التجاوز، وتمييزهم عن الأمناء الحقيقيين للإسلام.
غير مكترثة للضجة المفتعلة بهذا الخصوص، وما ستفرزه هذه الفضيحة الكبيرة من نتائج، فقد استمرت في تصميمها، واحتجت على (غصب فدك) من خلال خطبة غرّاء، ألقتها أمام المهاجرين في المسجد، مزيلةً الستار عن كثير من الحقايق. كانت هذه الخطبة بمثابة تحذير مروّع لأولئك الذين سعوا إلى حرف الحكومة الإسلامية، وخلافة الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن مسيرها الحقيقي، وتضييع تلك الجهود التي تحمّلها لأكثر من عقدين.
كانت خطبتها (ناقوس الخطر) لأولئك الذين ينبض قلبهم بعشق الإسلام، ويخافون على مستقبل هذا الدين الطاهر. و (الإنذار العنيف) لأولئك الغافلين عن تغلغل المنافقين، ونفوذهم في الجهاز السياسي بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، والمتجاهلين لأعمالهم المبطّنة.
(الصرخة الأليمة) في حماية عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ووصي رسول ربّ العالمين (صلّى الله عليه وآله)، حيث تجاهل بعض السياسيين كلَّ ما ورد فيه من آيات قرآنية وتوصيات للرسول (صلّى الله عليه وآله).
(إحقاق الحق المهضوم)؛ لتوعية كل مَن غُصب حقه، وهو يفضّل المسالمة والسكوت على الانتفاضة والتصدي. (الصيحة المؤثرة) التي دوّى صداها في كلَّ مكان، وبقيت آثارها على مر العصور والقرون.
(الزلزال العميق) الذي أيقظ أمواجه المتلاطمة تلك الأرواح النائمة - ولو مؤقتاً - وأظهر لها طريق الحق. وأخيراً فقد كانت (الصاعقة المميتة) التي حلّت على رؤوس أعداء الإسلام وأخذتهم بغتةً، أمّا عمق التحليلات التي أوردتها الصديقة الطاهرة، بشأن أعقد المسائل المرتبطة بالتوحيد والمبدأ والمعاد، فإنّما تكشف عن بعد نظرها وسعة رؤيتها (عليها السلام).
إنّ ما تضمّنته خطبة ابنة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) من تفسير للقضايا العقائدية والسياسية والاجتماعية، لهو دليل واضح ودامغ على أنّ تلك الصدّيقة ليست متعلقةً بزمان دون آخر.
الملاحم الثورية التي جرت على لسان فاطمة (عليها السلام) في هذه الخطبة، تدل على أنّها سيدة فدائية مجاهدة، وزعيمة صالحة للمقاتلين في سبيل الله، والمجاهدين في سبيل الحق.
إنّ لحن سيدة النساء في هذه الخطبة الذي ينفذ إلى أعماق روح الإنسان وقلبه، يبيّن حقيقةً مهمةً، وهي أنّها محدّثة بليغة، وخطيبة مقتدرة، كزوجها أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد كانت هذه الخطبة الغرّاء على غِرار خُطب علي (عليه السلام) في نهج البلاغة، وسارت معها جنباً إلى جنب حتى أظهرت الأيام، أنّ ابنتها زينب قد ورثت ذلك من أبيها وأمّها معاً، حيث ألقت بخطبها في سوق الكوفة ومجلس يزيد الرعب في نفوس بني أميّة المجرمين، وزلزلت أركان دار الإمارة، ونثرت بذور الثورة في قلوب أهل الكوفة والشام ضد هذه الحكومة الجائرة الجبارة.
أفرزت خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) العديد من الدروس، فما بيّنته في أدق مسائل الفلسفة وأسرار الأحكام، وتحليل تاريخي سياسي للإسلام، ومقارنة بين العرب في زمن الجاهلية وبين حياتهم بعد ظهور الإسلام، تعتبر دروساً عظيمة المعنى، يستفيد منها كل مَن يسير على خُطى الحقِّ مجاهداً في سبيل الله.
والأهم من ذلك، إنَّ فاطمة (عليها السلام) أفصحت عن موقف آل بيت النبِّي (صلّى الله عليه وآله) بالنسبة إلى النظام الحاكم، وبرّأت ساحة الإسلام المقدسة من الظلم والجور، الذي ارتُكب باسم الإسلام، ولو انحصرت فائدة الخطبة في هذا الأمر، لكان كافياً!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. (فدك) هي واحدة من القرى المعمورة، التي تقع على أطراف المدينة المنوّرة، ويسكنها جمع من اليهود، وهم كسائر يهود المدينة وخيبر في التآمر على الإسلام.
في السنة السابعة للهجرة وبعد أن تساقطت قلاع خيبر الواحدة تلو الأخرى أمام جنود الإسلام، وبعد أن تحطّمت قدرة اليهود المركزية، لجأ سكان (فدك) للصلح مع النبي (صلّى الله عليه وآله)، والتسليم له، فقد أعطوه نصف الأرض والبساتين، واحتفظوا بالنصف الآخر.
قام الرسول (صلّى الله عليه وآله) في حياته - طبقاً لِما نقله مؤرخو ومفسرو الشيعة والسنّة - بإعطاء فدك لفاطمة (صلّى الله عليه وآله)، لكنّ غاصبي الحكومة الإسلامية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) قاموا بمصادرة تلك الأرض؛ استناداً إلى حجج باطلة، ومن ثَمَّ ضمها إلى بيت المال - وفي الواقع ضمّها إلى أموالهم ومنافعهم الشخصية - خوفاً من نموّ القدرة الاقتصادية لزوجة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وبالتالي منافستهم سياسياً على الخلافة، علماً أنّهم عمدوا إلى تشتيت أصحاب علي (عليه السلام).
إنِّ قصة فدك والحوادث المختلفة الأخرى، التي جرت في صدر الإسلام والمرحلة التي تلت ذلك، لهي من أغمِّ وأشدِّ ما أفرزه التاريخ الإسلامي ألماً وعبرةً ومآسياً....
الخطبة التاريخية لسيدة الإسلام فاطمة الزهراء (عليها السلام)
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
دعوة إلى التوازن بين الدّنيا والآخرة
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (3)
محمود حيدر
معنى (نكف) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية
عدنان الحاجي
العقل العلمي والأخلاقي في القرآن الكريم
الشيخ شفيق جرادي
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (2)
الشيخ محمد صنقور
ادرس خطتك قبل الانطلاق
عبدالعزيز آل زايد
من هو المنتظِر الواقعي للإمام؟
السيد عباس نور الدين
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
الخطبة التاريخية لسيدة الإسلام فاطمة الزهراء (عليها السلام)
نور فاطمة عليها السّلام
فدك وأئمة الهدى (عليهم السلام)
دعوة إلى التوازن بين الدّنيا والآخرة
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (3)
معنى (نكف) في القرآن الكريم
الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية
(حرّيّة مكبّلة) مجموعة قصصيّة للكاتبة الرّاحلة سهام الخليفة
العقل العلمي والأخلاقي في القرآن الكريم
فعاليّات اليوم العالميّ للطّفل في أمّ الحمام