
الكثير لم يفِ ببيعة الرضوان يوم خيبر:
وكذلك هو الشأن يوم خيبر الذي كان بعد بيعة الرضوان بشهورٍ معدودة، فقد أخرج -مثلاً- ابنُ أبي شيبة في المصنَّف قال: حدثنا عبيد الله قال حدثنا نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن عليٍّ قال: "سار رسولُ الله (ص) إلى خيبر، فلمَّا أتاها بعث عمرَ ومعه الناس إلى مدينتهم أو إلى قصرهم، فقاتلوهم فلم يلبثوا أنْ انهزم عمرُ وأصحابُه، فجاء يُجبِّنهم ويُجبِّنونه، فساءَ ذلك رسولَ الله (ص) فقال: "لأبعثنَّ إليهم رجلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، يقاتلُهم حتى يفتحَ اللهُ له، ليس بفرَّار، فتطاول الناس لها، ومدٌّوا أعناقهم يُرونه أنفسَهم رجاءَ ما قال، فمكثَ ساعةً ثم قال: أين عليٌّ؟ فقالوا: هو أرمد، فقال: ادعوه لي، فلمَّا أتيتُه فتح عيني ثم تفل فيهما ثم أعطاني اللواءَ فانطلقتُ به سعياً خشية أنْ يحدث رسول الله (ص) فيهم حدثاً أو فيَّ، حتى أتيتُهم فقاتلتُهم، فبرز مرحبٌ يرتجز، وبرزتُ له أرتجز كما يَرتجزُ حتى التقينا، فقتلَه الله بيدي، وانهزم أصحابُه فتحصَّنوا وأغلقوا الباب، فأتينا الباب، فلم أزل أُعالجُه حتى فتحَه اللهُ". (1)
وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية يوم خيبر إلى عمر رضي الله عنه فانطلق فرجع يُجبِّن أصحابه ويُجبِّنونه هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (2)
وعن ابن عباس- كما في مجمع الزوائد- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أحسبه قال أبا بكر فرجع منهزماً ومَن معه فلمَّا كان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً يُجبِّن أصحابه ويُجبِّنه أصحابُه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب اللهَ ورسولَه ويُحبُّه اللهُ ورسولُه لا يرجع حتى بفتحَ اللهُ عليه، فثار الناس فقال: أين علي فإذا هو يشتكي عينيه فتفل في عينيه ثم دفع إليه الراية فهزَّها ففتح الله عليه". (3)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن عبد الله بن بريدة الأنصاري الأسلمي عن أبيه قال: لما نزل رسول الله (ص) بحضرة خيبر فزع أهل خيبر وقالوا: جاء محمد في أهل يثرب، قال: فبعث رسولُ الله (ص) عمر بن الخطاب بالناس فلقيَ أهل خيبر، فردوه وكشفوه هو وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله (ص) يُجبِّن أصحابه ويُجبِّنه أصحابه، قال: فقال رسول الله (ص): "لأعطين اللواء غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، قال: فلمَّا كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر قال: فدعا عليَّاً وهو يومئذٍ أرمد، فتفلَ في عينه وأعطاه اللواء، قال: فانطلق بالناس، قال: فلقي أهلَ خيبر ولقيَ مرحباً الخيبري وإذا هو يرتجز ويقول: قد علمتْ خيبرُ أنِّي مرحب ** شاكي السلاح بطلٌ مجرِّبُ... إذا الليوثُ أقبلتْ تلهَّبُ ** أطعنُ أحياناً وحيناً أضربُ...
قال: فالتقى هو وعليٌّ فضربه ضربًة على هامته بالسيف، عضَّ السيفُ منها بالأضراس، وسَمع صوتَ ضربتِه أهلُ العسكر، قال : فما تتامَّ آخرُ الناس حتى فتحَ لأولِهم".(4)
النقض ببعض الأسماء الذين بايعوا بيعة الرضوان:
ونختم بذكر بعض الأسماء الذين بايعوا بيعة الرضوان وهم معروفون بالنفاق أو غير مرضيين لدى القائلين بأنَّ الآية تدلُّ على أنَّ الله تعالى قد رضيَ عن كلِّ مَن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان.
الأول: عبد الله بن أبي سلول المعروف بأنَّه كان رأس المنافقين، فقد كان ممَّن شهد الحديبيَّة وشهدها معه أتباعُه على رأيه ونفاقه (5) وبايع فيمن بايع بيعة الرضوان حيث لم يتخلَّف عن بيعة الرضوان ممَّن شهد الحديبية سوى الجدِّ بن قيس الأنصاري كما أورد ذلك مسلم في صحيحه والطبري في جامع البيان وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: "فبايع رسول الله (ص) الناس، ولم يتخلَّف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجدُّ بن قيس أخو بني سلمة، كان جابر بن عبد الله يقول: لكأنِّي أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته، قد اختبأ إليها، يستترُ بها من الناس، ثم أتى رسول الله (ص) أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل" وفي مسند أحمد "فبايعناه كلنا إلا الجد بن قيس". (6)
الثاني: عبد الرحمن بن عديس البلوي صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان تحت الشجرة (7) إلا أنَّه كان ممن شارك في حصار عثمان بل كان الأمير على الجيش الذين حصروا عثمان وقتلوه قال في الاستيعاب: "عبد الرحمن بن عديس البلوي، مصري شهد الحديبية، ذكر أسد بن موسى، عن أبي لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عبد الرحمن بن عديس ممَّن بايع تحت الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال أبو عمر: كان الأمير على الجيش الذين حصروا عثمان وقتلوه".(8) وقال ابن حجر في الإصابة: "عبد الرحمن بن عديس البلوي.. وقال بن يونس بايع تحت الشجرة وشهد فتح مصر واختط بها وكان من الفرسان ثم كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان في الفتنة". (9)
الثالث: أبو الغادية صحابي شهد بيعة الرضوان وهو قاتل عمار بن ياسر(10): "قال ابن حزم الأندلسي في كتابه الفصل: وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار ابن سبع السلمي، شهد بيعة الرضوان، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه، وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو الغادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرًا واحدًا". (11) وقد قال رسول الله (ص): "قاتل عمّار وسالبه في النار". (12) وكان أبو الغادية في الفئة الباغية الذين قال رسول الله (ص): "تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار" وقال (ص): "تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. (13)
فوجود المنافقين ضمن مَن بايع تحت الشجرة يدلُّ على أنَّ الرضا الذي تحدَّثت عنه الآية لا يشملُ جميع مَن بايع تحت الشجرة، إذ أنَّ الله تعالى لا يرضى عن المنافقين، وهو ما يؤكد أنَّ الذين رضيَ الله تعالى عنهم إنَّما هم المؤمنون ممَّن بايع تحت الشجرة، وعليه لا يصحُّ التمسك بالبيعة لإثبات الرضا عن هذا أو ذاك بل يحتاج إثبات الرضا لهذا أو ذاك إلى إثبات أنَّه من المؤمنين، ولا يكفي إثبات أنَّه ممَّن بايع تحت الشجرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المصنف -ابن أبي شيبة- ج8/ 525. أورده المتقي الهندي وقال رواه البزاز ونده حسن ج10/ 462.
2- المستدرك على الصحيحين- الحاكم النيسابوري- ج3/ 38.مسند البزاز -ج10/ 318، وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن أبي موسى الحنفي عن علي رضي الله عنه قال سار النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر فلما اتاها ( بعث عمر رضى الله تعالى عنه وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا ان هزموا عمر وأصحابه فجاؤوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي صلى الله عليه وآله" الحديث * هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ج3/ 37. وصححه الذهبي في التلخيص رقم الحديث 4340 -
3-مجمع الزوائد- الهيثمي- ج9/ 124.
4-.المصنف- ابن أبي شيبة – ج8/ 522. ج8/ 525 ورد فيه: " فلم يلبثوا أن انهزم عمر وأصحابه ، فجاء يجبنهم ويجبنونه" خصائص أمير المؤمنين- النسائي- ص54. جامع الأحاديث- السيوطي- ج16/ 136..مسند البزاز -ج11/ 327، تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج42/ 97.
5- روى الواقدي في المغازي قال حدثني جابر بن سليم عن صفوان بن عثمان قال : فكانت قريش قد أرسلت إلى عبد الله بن أبي : إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل . وابنه جالس عنده فقال له ابنه : يا أبت أذكرك الله أن تفضحنا في كل موطن تطوف بالبيت ولم يطف رسول الله فأبى ابن أبي وقال : لا أطوف حتى يطوف رسول الله . فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ذلك فسر به" ج1/ 605.
6- جامع البيان – الطبري- ج26/ 112. أسد الغابة- ابن الأثير - ج1/ 274، دلائل النبوة - البيهقي- ج4/ 135، تاريخ الإسلام- الذهبي- ج2/ 384،البداية والنهاية- ابن كثير- ج4/ 191، السيرة النبوية - ابن هشام- ج3/ 781، تفسير البغوي- البغوي- ج4/ 194، مسند أحمد - أحمد بن حنبل- ج3/ 396. وفي صحيح مسلم : "فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري"ج6/ 25.
7-المصنف - ابن أبي شيبة ج7/ 492، ج8/ 43، الاستذكار- ابن عبد البر- ج2/ 389، السنَّة- ابن أبي عاصم- ص 581، الإصابة-ابن حجر- ج4/ 281، ج5/ 181، أنساب الأشراف- البلاذري- ج5/ 486، تاريخ الإسلام- الذهبي-ج3/ 531،
8-الاستيعاب- ابن عبد البر- ج2/ 840، الطبقات الكبرى – ابن سعد- ج3/ 65، 71، الثقات – ابن حبان- ج2/ 256، تاريخ الإسلام- الذهبي- ج3/ 438، 441،
9- الإصابة - ابن حجر- ج4/ 281.
10- أسد الغابة – ابن الأثير -ج5/ 124، 267، الاستيعاب- ابن عبد البر- ج3/ 1139،ج4/ 1725، ميزان الاعتدال- الذهبي- ج1/ 488، الإصابة- ابن حجر- ج7/ 260، أنساب الأشراف-البلاذري-ج1/ 170، 172، سير أعلام النبلاء- الذهبي-قال: حدثنا كلثوم بن جبر ، عن أبي الغادية ، قال سمعت عمارا يقع في عثمان يشتمه . فتوعدته بالقتل ، فلما كان يوم صفين ، جعل عمار يحمل على الناس ، فقيل : هذا عمار ، فطعنته في ركبته ، فوقع فقتلته ، فقيل : قتل عمار . وأخبر عمرو بن العاص ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّ قاتله وسالبه في النار "ج1/ 425،
11- الفصل في الملل والأهواء والنحل- ابن حزم الأندلسي القرطبي- ج4/ 125. سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج2/ 544،
12-مسند أحمد - أحمد بن حنبل -" إن قاتله وسالبه في النار" ج4/ 198 المستدرك على الصحيحين – الحاكم النيسابوري- ج3/ 387، مجمع الزوائد- الهيثمي- قال: رواه أحمد والطبراني بنحوه إلا أنه قال عن عبد الله بن عمرو أن رجلين أتيا عمرو بن العاص يختصمان في دم عمار وسلبه فقال خليا عنه فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قاتل عمار وسالبه في النار ، ورجال أحمد ثقات ، وقال في موضع آخر:رواه الطبراني وقد صرح ليث بالتحديث ورجاله رجال الصحيح ج7/ 244، ج9/ 297 . سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج1/ 425، أنساب الأشراف- البلاذري-ج1/ 173، ج2/ 315، الطبقات الكبرى - ابن سعد- ج3/ 261،
13- قال المناوي في فيض القدير: قال ابن حجر : حديث تقتل عمارا الفئة الباغية رواه جمع من الصحابة منهم قتادة وأم سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأمية وأبو اليسر وعمار نفسه وغالب طرقه كلها صحيحة أو حسنة وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه" فيض القدير شرح الجامع الصغير -المناوي- 613, في صحيح البخاري روى بسنده عن أبي سعيد عن ارسول (ص) قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار" ج3/ 207، مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"ج3/91، المستدرك على الصحيحين- الحاكم النيسابوري-وصححه ج2/ 149، ج2/ 155 وصححه.
النّصير، ونعم النّصير، وخير النّاصرين في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (2)
الشيخ محمد صنقور
إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (3)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (2)
محمود حيدر
معنى (برم) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
ادرس خطتك قبل الانطلاق
عبدالعزيز آل زايد
من هو المنتظِر الواقعي للإمام؟
السيد عباس نور الدين
لماذا ينطفئ الدماغ عندما تشعر بالإرهاق؟
عدنان الحاجي
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
وجه رب الكون
السيد جعفر مرتضى
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
النّصير، ونعم النّصير، وخير النّاصرين في القرآن الكريم
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (2)
إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (3)
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (2)
بغض المؤمن حرام
(المعجم الموضوعي) للمحقّق الشيخ علي الكوراني
الكاتب يوسف الحسن: كيف نجعل الأدب أكثر جذبًا للقراءة؟
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (1)
معنى (برم) في القرآن الكريم
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (1)