تشكّلت المحكمة، وكان زعماء القوم قد اجتمعوا هناك، ويقول بعض المفسّرين: إنّ نمرود نفسه كان مشرفاً على هذه المحاكمة، وأوّل سؤال وجّهوه إلى إبراهيم (عليه السلام) هو أن: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء : 62]؟
هؤلاء لم يكونوا مستعدّين حتّى للقول: أأنت حطّمت آلهتنا وجعلتها قطعاً متناثرة؟ بل قالوا فقط: أأنت فعلت بآلهتنا ذلك؟
فأجابهم إبراهيم جواباً أفحمهم، وجعلهم في حيرة لم يجدوا منها مخرجاً {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء : 63].
إنّ من أسس علم معرفة الجرائم أن يكون المتّهم بادية عليه آثار الجريمة، والملاحظ هنا أنّ آثار الجريمة كانت باديةً على يد الصنم الكبير، وفقاً للرواية المعروفة: إنّ إبراهيم جعل الفأس على رقبة الصنم الكبير.. فلماذا تأتون إلي؟ ولماذا لا تتّهمون إلهكم الكبير؟ ألا تحتملون أنّه غضب على الآلهة الصغيرة، أو أنّه اعتبرهم منافسيه في المستقبل فعاقبهم؟
ولمّا كان ظاهر هذا التعبير لا يطابق الواقع في نظر المفسّرين، ولمّا كان إبراهيم نبيّاً معصوماً ولا يكذب أبداً، فقد ذكروا تفاسير مختلفة، وأفضلها كما يبدو هو: إنّ إبراهيم (عليه السلام) قد نسب العمل إلى كبير الأصنام قطعاً، إلاّ أنّ كلّ القرائن تشهد أنّه لم يكن جادّاً في قصده، بل كان يريد أن يزعزع عقائد الوثنيين الخرافية الواهية، ويفنّدها أمامهم، ويُفهم هؤلاء أنّ هذه الأحجار والأخشاب التي لا حياة فيها ذليلة وعاجزة إلى الحدّ الذي لا تستطيع أن تتكلّم بجملة واحدة تستنجد بعبّادها، فكيف يريدون منها أن تحلّ معضلاتهم؟!
ونظير هذا التعبير كثير في محادثاتنا اليوميّة، فنحن إذا أردنا إبطال أقوال الطرف المقابل نضع أمامه مسلّماته على هيئة الأمر أو الإخبار أو الاستفهام، وهذا ليس كذباً أبداً، بل الكذب هو القول الذي لا يمتلك القرينة معه.
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كتاب الكافي: «إنّما قال: بل فعله كبيرهم، إرادة للإصلاح، ودلالة على أنّهم لا يفعلون» ثمّ قال: «والله ما فعلوه وما كذّب».
واحتمل جمع من المفسّرين أنّ إبراهيم قد أدّى هذا المطلب بشكل جملة شرطيّة وقال: إنّ الأصنام إذا كانت تتكلّم فإنّها قد فعلت هذا الفعل، ومن المسلّم أنّ هذا التعبير لم يكن خلاف الواقع، لأنّ الأصنام لم تكن تتكلّم، ولم تكن قد أقدمت على مثل هذا العمل، ولم يصدر منها، ووردت رواية في مضمون هذا التّفسير أيضاً.
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأقرب، لأنّ الجملة الشرطيّة «إن كانوا ينطقون» جواب الطلب في «فاسألوهم»، وليست شرطاً لجملة «بل فعله كبيرهم». (فلاحظوا بدقّة).
واللطيفة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي: إنّ العبارة هي أنّه يجب أن يسأل من الأصنام المحطّمة الأيدي والأرجل عمّن فعل بها ذلك، لا من الصنم الكبير، لأنّ ضمير (هم)، وكذلك ضمائر «إن كانوا ينطقون» كلّها بصيغة الجمع، وهذا أنسب مع التّفسير الأوّل (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ إضافة إلى أنّ ضمير كبيرهم مع البقيّة متشابه.
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عادل العلوي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ فوزي آل سيف
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
(المعتزلي الأخير وسقوط بغداد) جديد الكاتب محمّد الخبّاز
حقيقة الأفعال الخارقة للعادة
أمسية لنادي صوت المجاز حول جماليّات السّرد وتحوّلات الرّواية في الخليج العربيّ
لأول مرة يتم كشف بنية وخلل بروتين باركنسون
نشر الخلق الحسن فلسفة نبويّة
هل نملك تاريخاً؟!
الاقتصاد بين الإسراف والتقتير
علوم مختّصة بالله
(تهذيبُ الأحكام) لشيخ الطّائفة، أبي جعفر الطّوسيّ
(التجربة الرّوائيّة بين الرجل والمرأة) أمسية أدبيّة في الدمّام