الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ..
...أنّ التوسل بعالم الأسباب حاصل في الأمور التشريعية، كما هو حاصل في الأمور التكوينية أيضاً، وكلاهما لا يتنافى مع التوحيد، فنحن عندما نريد أن نحصل على نتائج إيجابية في حياتنا الطبيعية، نلجأ إلى الأسباب، فنحرث الأرض، وننثر البذر، ونسقي الزرع، ونحارب الآفات، ونحصد المحصول في آوانه ، لنستفيد منه في حياتنا.
فهل التوسل بهذه الأسباب يؤدي بنا إلى الغفلة عن الله؟ وهل الاعتقاد بأنّ الأرض تغذي بذور الأعشاب، أو أنّ نور الشمس وقطرات المطر التي تبعث على الحياة هي التي تنمي البذور والأزهار والثمار؟ وبصورة عامة هل الاعتقاد بعالم الأسباب منافياً للتوحيد الأفعالي؟
ويقيناً أنّه ليس منافياً، لأننا نلجأ إلى عالم الأسباب، ومسبب الأسباب هو الله سبحانه وتعالى، وكما في المثل «يختص كل هذا الثناء بالملك العظيم» (1) إذاً فكما أنّ التوسل بالأسباب الطبيعية لا يتنافى مع أصل التوحيد في الأفعال، فكذلك الأمر في عالم التشريع، لأنّ التوسل بالأنبياء والأولياء والمعصومين وطلب الشفاعة منهم عند الله سبحانه وتعالى لا يتنافي مع أصل التوحيد أبداً.
طبعاً ظهرت هنا مجموعة تفريطية تنكر عالم الأسباب أيضاً، لأنّهم تصوروا أنّ الاعتقاد بعالم الأسباب يتنافى مع التوحيد في الأفعال، فيقولون: إنّ النّار لا تحرق، فالله هو الذي يحرق ذلك الشيء عندما نقرب النار إليه، الماء لا يُطفىء النّار، الله هو الذي يُطفئها عندما نصب الماء على النّار، وهكذا فهم ينكرون جميع الروابط بين العلة والمعلول، وهي من الروابط البديهية في عالم الخلقة.
في الوقت الذي يقر فيه القرآن المجيد عالم الأسباب ويعترف به بشكل واضح وصريح حيث يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)( الروم، الآية 24)، فكلمة «يُحْيِي بِهِ» يعني بقطرات المطر تُحيى الأرض. وهذه الآية لها دلالة واضحة وصريحة على الإقرار والاعتراف بعالم الأسباب. ولكن هذه الأسباب ليس لها تأثير مستقل، فكل ما لديها هو من الله.
فهذه الآثار الظاهرة هي من الله، فكما أنّ منكري الأسباب الطبيعية مخطئون وغافلون، فكذلك منكرو الأسباب في عالم التشريع.
نأمل منهم أن يتوجهوا إلى ما ذُكر، وأن يبتعدوا عن التعصب، ويعودوا إلى الصواب، وينهوا مسيرة التكفير والتفسيق ، ويأتلفوا مع مسلمي العالم، ويقفوا في وجه الأعداء الذين جعلوا الله والقرآن والإسلام هدفاً لهجماتهم، وأن يبيِّنوا التعاليم الإسلاميّة للمجتمع العالمي خالية من الشرك والغلو والنقصان.
_____________
1. مثل فارسي.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد هادي معرفة
محمد رضا اللواتي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون!
ارتباط الوجود وأركانه بالأسماء الإلهيّة
ChatGPT قد يُفسد العقل، لكنّ الحقيقة قد تكون أعقد من ذلك بكثير
ما هذا البكاء؟!
النّخبة من أنصار الحسين عليه السّلام
التخطيط للبكاء في عاشوراء
مع الحسين (ع) من مكة إلى كربلاء (1)
قصة أصحاب الكهف في القرآن
إحياء الموسم الحسيني... حياة
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)