
نعلم جميعًا مدى صعوبة التركيز بعد ليلة نوم سيئة. تبيّن دراسة جديدة ما يحدث داخل الدماغ حين يُفقد التركيز.
حين تسهر طوال الليل، يتعب الدماغ. خلال تلك اللحظات يتوقف فيها فجأة عن التركيز، يحدث ما يثير الاهتمام: يُفرز الدماغ (1) سائلًا خاصًّا يُسمى السائل النخاعي (CSF) (2)، الذي يُحيط بالدماغ والحبل الشوكي، وهو جانب من نظام التخلص من السموم في الدماغ (3). ثم يعود هذا السائل إلى الدماغ بعد الانتهاء من حالة عدم التركيز والسرحان هذه، ويساعد تدفق هذا السائل الراجع إلى الدماغ على عودة الدماغ إلى التركيز بعد هذه الاستراحة القصيرة، وهكذا دواليك، وفقًا لدراسة (4) نُشرت في 29 أكتوبر، 2025 في مجلة Nature Neuroscience. ثم، عندما تعود إلى التركيز، يندفع السائل النخاعي مرة أخرى.
أثناء النوم، تتدفق موجات من الدم المؤكسج (باللون الأحمر) ثم السائل النخاعي (باللون الأزرق) في الدماغ (3). يبدو الأمر كما لو أن الدماغ يأخذ فترات راحة قصيرة للتنظيف لأنه لم يحصل على وقته الطبيعي للتنظيف أثناء النوم.
وجدت الدراسة أن حالات ضعف التركيز وقلة الانتباه بسبب الإرهاق والتعب الشديد تصاحبها أيضًا تغيرات هائلة في تدفق الدم وحجم حدقة العين. حتى الآن، لم يكن معروفًا أن هذه الاستجابات الفسيولوجية تعمل بشكل متزامن عند سرحان الدماغ وتوقفه عن التركيز في حالة الإرهاق.
"بقياس هذا الكم الهائل من المعلومات المختلفة عن الدماغ في الوقت نفسه، تمكنّا من ملاحظة أن هذه المعلومات المختلفة التي ظننّا في البداية أنها منفصلة عن بعضها زمنيًّا، كانت في الواقع متزامنة نوعًا ما في حالة التعب، حيث يتأثر البدن بأكمله، وتحدث كل هذه التغيرات كنظام واحد متصل"، حسب ما صرحت به لورا لويس Laura Lewis، المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ المساعد في علم الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لموقع لايڤ ساينس.
النوم ضروري للحفاظ على صحة الدماغ، ويوصي الخبراء الشباب بالنوم لمدة سبع إلى تسع ساعات يوميًّا. عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يؤدي إلى تعب وإرهاق، ويؤثر ذلك سلبًا في الصحة البدنية والنفسية، كما يُضعف القدرة على الانتباه ويصبح التركيز معها أكثر صعوبة. حيث لا يعمل كل من الدماغ والبدن بكفاءة.
"لكن الأساس العصبي لحالة ضعف الانتباه الناجم عن قلة النوم لم يُفهم جيدًا بعد"، بحسب ما ذكره الباحثون في الدراسة. وما زالوا لا يفهمون تمامًا سبب صعوبة تركيز الدماغ عند الشعور بالتعب. تشير الدراسة إلى أن الأسباب الدقيقة التي تُفسر عدم التركيز هذا ما تزال غامضة.
حصل بعض المشاركين على نوم هانئ في منازلهم (بين 6.5 و9 ساعات). اضطر آخرون للبقاء مستيقظين طوال الليل في المختبر، ما أدى إلى شعورهم بالتعب والإرهاق الشديدين.
في الصباح، قاس الباحثون ما حدث في أدمغة المشاركين باستخدام قبعات تخطيط كهربية الدماغ (EEG) على المشاركين لتسجيل موجات أدمغتهم عبر أقطاب كهربائية. وفي الوقت نفسه، خضع المشاركون لتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) للكشف عن أنماط تدفق الدم والسائل الدماغي الشوكي في الدماغ. وقاست أجهزة تتبع تغير حجم حدقات المشاركين عند شعورهم بالتعب أو النعاس. وبالتالي، تمكن الباحثون من تسجيل موجات الدماغ، وتدفق الدم، وتدفق السائل الدماغي الشوكي، وتغيرات حجم حدقة العين في الوقت نفسه - كما لو كانوا يشاهدون جميع "أنظمة" الدماغ تعمل معًا. وخضع المشاركون أيضًا للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) للكشف عن أنماط تدفق الدم والسائل الدماغي الشوكي في الدماغ، وقاست أجهزة تتبع حركة العين حجم حدقة العين لدى المشاركين.
بعد ضبط جميع أجهزة استشعار الدماغ، قام المشاركون في الدراسة ببعض ألعاب الانتباه البسيطة، حيث كان عليهم الضغط على زر بمجرد رؤية صورة أو سماع صوت، لاختبار مدى قدرتهم على التركيز عند التعب أو الراحة التامة.
جمع الباحثون أيضًا بيانات المستوى الطبيعي لنشاط الدماغ في حال الهدوء بعد الطلب من المشاركين الاستراحة لمدة 25 دقيقة بدون القيام بأيّ مهام، ما أتاح للباحثين خط أساس، أو نقطة انطلاق للمقارنة.
كما قد تتخيل، الأشخاص المنهكون كانوا أبطأ في ملاحظة الصور والأصوات. كما فاتت عليهم ملاحظة المزيد منها مقارنةً بحالتهم حينما كانوا في حال الهدوء والراحة. لكن فريق البحث فوجئ حينما لاحظ تدفقات هائلة من السائل الدماغي الشوكي (سائل التخلص من السموم) داخل أدمغة المشاركين المنهكين، بالإضافة إلى ملاحظتهم موجات بطيئة، وكلاهما يُلاحظان عادةً في نوم حركة العين غير السريعة (5).
على وجه التحديد، تشابهت الأنماط مع ما يُلاحظ عند انتقال الشخص من مرحلة النوم الخفيف (N1) إلى مرحلة النوم العميق (N2)، وهما أول مرحلتين من ثلاث مراحل من نوم حركة العين غير السريعة ينتقل الناس خلالها أثناء النوم. قالت لورا لويس: "لم نشهد مثل هذه المظاهر بهذا الحجم في السابق إلا أثناء النوم الحقيقي". بعبارة أخرى عندما يكون المرء متعبًا جدًّا، يتصرف دماغه كما لو كان ينجرف إلى لحظات نوم قصيرة، بالرغم من أنه مستيقظ بالفعل.
ارتبط تدفق السائل الدماغي الشوكي ارتباطًا وثيقًا بتغيّر حجم حدقة العين، حيث يحدث تدفق موجة كبيرة من سائل الدماغ الشوكيّ باتجاه الدماغ بعد اتساع حدقة العين، ويأتي التدفق من الدماغ بعد انقباضها. وحين تنقبض الحدقتان يتدفق السائل الدماغي الشوكي خارج الدماغ.
وكان هذا التلازم بين تدفق السائل داخل الدماغ وخارجه وحجم الحدقتين أكثر وضوحًا عند المحرومين من النوم، ما قد يشير إلى أن جهاز الدورة الدموية للجسم (ضغط الدم، ومعدل دقات القلب، وما إلى ذلك) يدعم هذا التلازم، وفقًا للباحثين. كما تزامن تدفق السائل الدماغي الشوكي مع أوقات شعور المشاركين بالتعب وضعف التركيز والانتباه أثناء أدائهم المهام.
قال زينونغ يانغ Zinong Yang، الباحث الأول في الدراسة وباحث علم الأعصاب الحوسبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، لموقع لايڤ ساينس: "عندما يحدث ضعف في الانتباه والتركيز، يخرج هذا السائل من الدماغ، وبعد أن يبدأ في استعادة الانتباه والتركيز، يبدأ الشخص بالاستجابة إلى المنبهات (الصور والأصوات) مجددًا، يعود هذا السائل بالتدفق تجاه الدماغ". وأضافت لويس: "هذه أمور لا نفكر فيها عادةً على أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا زمنيًّا (لا نعتقد عادة أنهما يحدثان تزامنيًّا) - قدرة المرء على الانتباه لما حوله، ثم حركة السائل الأساسية في الدماغ. فقدان الانتباه يقترن بخروج السائل من الدماغ. بينما تقترن استعادة الانتباه بعودة السائل إليه.
عندما يكون المرء متعبًا جدًّا، يبدأ الدماغ بالتصرف وكأنه على وشك النوم حتى لو أنه ما يزال مستيقظًا، كما يغفو موظف في مكان عمله. أو عندما لا يحصل الشخص على قسط كافٍ من النوم، تبدأ مناطق من الدماغ بالتصرف وكأنها تحاول النوم حتى لو ما يزال الشخص مستيقظًا. تلك "الغفوات القصيرة" تظهر على شكل نوبات من عدم الانتباه، حيث تفوت على الشخص المتعب أشياء، أو يتفاعل معها ببطء. وبما أن الشّخص ما يزال مستيقظًا ويقوم بأشياء، يعود دماغه فجأة إلى "وضع اليقظة" قبل أن يتمكن من الدخول في النوم الحقيقي تمامًا.
لذا يعتقد الباحثون أن فقد الانتباه هذا علامة على بدء هذا الانجراف نحو النوم، لكن النوم الحقيقي لا يحدث أبدًا، لأن الجسم يُعيد إيقاظ الدماغ باستمرار. ولذا يعتقدون أن أنماط نشاط الدماغ التي يلاحظونها قد تعكس تحول الدماغ المحروم من النوم إلى حالة شبيهة بالنوم، ولكن أثناء اليقظة، تشير نوبات عدم الانتباه إلى بدء هذه العمليات الدماغية الشبيهة بالنوم، ولكنها تنقطع قبل أن يبدأ النوم الطبيعي، وذلك لأن الشخص ما زال مستيقظًا.
لم يتضح حتى الآن السبب الوظيفي وراء هذه التغيرات الكبيرة في تدفق السائل الدماغي، كما أشارت لويس. وكتب الباحثون أن الأبحاث المستقبلية قد تتناول دراسة ما إذا كانت هذه الأنماط تؤثر في التخلص من السموم من الدماغ، وكيف تؤثر في ذلك.
تحدث هذه التغيرات المفاجئة والكبيرة في تدفق السائل الدماغي خلال هذه اللحظات التي يكون فيها الدماغ نصف نائم، لكن لا يعرف السبب حتى الآن. قد يكون ذلك مرتبطًا بكيفية تنظيف الدماغ نفسه من السموم: أثناء النوم، حيث يتغير تدفق السائل الدماغي للمساعدة في التخلص من هذه الفضلات (السموم) بعد يوم طويل من العمل التفكير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://www.livescience.com/29365-human-brain.html
2- http://https://www.livescience.com/cerebrospinal-fluid-washes-sleeping-brain.html
3- https://www.livescience.com/health/sleep/does-the-brain-flush-out-toxins-while-you-sleep
4- https://www.nature.com/articles/s41593-025-02098-8
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/نوم_حركة_العين_غير_السريعة
المصدر الرئيس
https://www.livescience.com/health/sleep/study-reveals-why-the-brain-zones-out-when-youre-exhausted
عرض الأعمال على النبيّ والآل
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
من هو المنتظِر الواقعي للإمام؟
السيد عباس نور الدين
إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
لماذا ينطفئ الدماغ عندما تشعر بالإرهاق؟
عدنان الحاجي
معنى (سأل) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
وجه رب الكون
السيد جعفر مرتضى
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
محمود حيدر
الصدقات وعجائب تُروى
عبدالعزيز آل زايد
صفة الجنة في القرآن الكريم
الشيخ محمد جواد مغنية
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
عرض الأعمال على النبيّ والآل
الزهايمر والسرطان قد يعالجان قريبًا بأصوات لا نستطيع سماعها
من هو المنتظِر الواقعي للإمام؟
إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (1)
لماذا ينطفئ الدماغ عندما تشعر بالإرهاق؟
القاص جعفر عمران: هل القصة فعلًا قصيرة؟
أحمد آل سعيد: ساعة خلف الشّاشة تعني مزيدًا من الحركة والسّلوك السّلبيّ
التحيّة الإلهيّة
معنى (سأل) في القرآن الكريم
العلم المقصود للعمل