
ولا حرج مطلقًا في أن يكتب المصحف كاتب، أو يطبعه طابع، بأي هجاء شاء، ما دام لا يخرج عن النطق المطلوب، كما أنزله الله تعالى، وكما تنطق به العرب، إذ لا يختلف اثنان في أن المراد بالقرآن هو ألفاظه ومعانيه، ومقاصده ومراميه، لا هجاؤه ورسمه وهيكله، والقرآن ما رسم بهذا الرسم، ولا كتب بهذا الهجاء، إلا لأنه الهجاء المعروف المتداول في العصر الأول (1).
وما القول بوجوب اتباع الرسم القديم، وعدم مخالفته وتعديه، إلا نوع من أنواع التزمت الذي لا يتفق من النهج العلمي، والارتفاع بتقدير الأوائل من مستوى الاحترام المناسب إلى مستوى التقديس اللامعقول، وبهذا الملحظ فإننا لا نميل إلى ما قرره البيهقي في «شعب الإيمان » بقوله:
«من كتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا فيها المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئًا، فإنهم أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منّا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم» (2).
بل نذهب إلى جواز المخالفة، وتيسير القرآن بالخط والهجاء الذي لا لبس فيه، فلا يؤدي إلى اختلاف، ولا يؤول إلى إبهام، وليس في ذلك تحامل على السلف، فليس الخط ونقصانه مما يشكل استخفافًا بهم، ولا هو يتنافى مع ورعهم وتقواهم، ولا علاقة له بأنهم أصدق لسانًا، وأعظم أمانة، ما دام أن الخطوط لم تكن متكاملة المعالم في عهودهم.
يقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: «الغرض من كتابة القرآن: أن نقرأه صحيحًا لنحفظه صحيحًا، فكيف نكتبه بالخطأ، لنقرأه بالصواب؟ وما الحكمة أن يقيد كلام الله بخط لا يكتب به اليوم أي كتاب» (3).
ولقد كان عز الدين بن عبد السلام جريئًا ومحافظًا في وقت واحد بقوله:
«لا يجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة» (4).
فهو يدعو إلى تطوير الرسم المصحفي رفعًا لمشاكل القراءة عند المحدثين، ويدعو إلى الاحتفاظ بالرسم العثماني كجزء من التراث الذي لا يترك حبًّا بالأقدمين.
ولقد أوضح السيوطي حقيقة مخالفة الخط المصحفي في بعض الحروف لقواعد الخط العربي فقال: «القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء والوقف عليه، وقد مهد النجاة له أصولاً وقواعد، وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام» (5).
وأنى كانت وجهة النظر تجاه الرسم المصحفي، فهي لا تعني شيئًا ذا أهمية قصوى، لأنها مسألة شكلية لا تتعلق بجوهر القرآن، ولا تغير حقيقته، لأن اختلاف بعض الخطوط لقواعد الهجاء لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، ليتحقق بعد هذا كله التأكيد الإلهي بحفظ القرآن، سالـمًا من التحريف، مصانًا عن الزيف.
وقد شاءت العناية الإلهية أن يظل شكل القرآن متجاوبًا مع اختلافات الرسم في كل العصور، ومتجانسًا مع عملية التطوير الكبرى للخط العربي، فقد دأب المتخصصون بصياغة الخطوط وطرائقها أن ينقلوه من جيل إلى جيل مطابقًا للأصل الكوفي مع إضافة الأشكال التطويرية زيادة في الإيضاح، ورفعًا للالتباس، وكان ذلك متواترًا طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان، فما وجدنا في طول العالم الإسلامي وعرضه نصًّا قرآنيًّا يخالف نصًّا آخر، ولا مخطوطًا يعارض مخطوطًا سواه، حتى هيأ الله تعالى الطباعة، لتزود المسلمين بل الناس أجمعين، بملايين النسخ من القرآن الكريم، وبمختلف الطبعات الأنيقة والمذهبة والمحكمة، وهي تعطر كل بيت، وتشرف كل منتدى، وتحتل صدر كل مكتبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن الخطيب ، الفرقان : 84 وما بعدها .
(2) الزركشي ، البرهان : 1 / 379 .
(3) مجلة الرسالة المصرية ، عدد 8 يناير ، 1950 .
(4) الزركشي ، البرهان : 1 / 379 .
(5) السيوطي ، الاتقان : 4 / 146 .
تعقّل الدّنيا قبل تعقّل الدّين
الشيخ علي رضا بناهيان
معنى (مال) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
القرآنُ مجموعٌ في عهد النبيِّ (ص)
الشيخ محمد صنقور
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (2)
محمود حيدر
الحِلم سجيّةُ أولياء الله وزينتهم
الشيخ محمد مصباح يزدي
كيف تفهم أدمغتنا أفعال الآخرين وتصرفاتهم؟
عدنان الحاجي
(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
التّوحيد والمحبّة
السيد عبد الحسين دستغيب
من هي السيدة فاطمة عليها السلام؟
الشيخ شفيق جرادي
كيف يخاف النبي موسى عليه السلام من اهتزاز العصا؟!
السيد جعفر مرتضى
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
تعقّل الدّنيا قبل تعقّل الدّين
معنى (مال) في القرآن الكريم
القرآنُ مجموعٌ في عهد النبيِّ (ص)
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (2)
الحِلم سجيّةُ أولياء الله وزينتهم
(رحلة برفقة قلم) جديد الكاتب عبدالعزيز آل زايد
كيف تفهم أدمغتنا أفعال الآخرين وتصرفاتهم؟
(مداد في ظلال خراسان.. سيرة الشيخ إبراهيم بن مهدي آل عرفات القديحي القطيفي) جديد الشّيخ عبدالغني العرفات
الشباب والرجوع إلى الدين
غزو مكة