الإمهال والإملاء: هو إعطاء المهلة للعاصي المسلم أو الكافر، وتأخير أخذه وعقابه في الدنيا بعد ارتكابه العصيان واستحقاقه الأخذ والعقوبة، وهو يكون:
تارةً: لأنّ الله تعالى قد قضى في حقّه بأجلٍ مسمّىً فلا بدّ من نفوذ قضائه.
وأخرى: لأجل رحمته تعالى على نفس العاصي ليتوب، أو على غيره من حيوانٍ أو إنسانٍ ممّن يشاركه في نتائج عمله ثواباً أو عقاباً.
وثالثةً: ليميز الخبيث من الطّيّب، والمؤمن من الكافر، والمطيع من الفاسق.
ورابعةً: للإضلال، والإستدراج ليتمّ شقاؤه، ونعوذ بالله من ذلك.
والإمهال وإن كان من فعل الله تعالى إلّا أنّه يرجع إلى نفس العبد وينشأ من غفلته وغرّته وشقائه ، فلا بدّ لكلّ إنسانٍ من مراقبة نفسه وأفعاله وأحواله حتّى لا يقع فيما لا محيص له من ذلك. وقد ورد في بيان ذلك عدّة وافرة من الآيات الكتابيّة :
قال تعالى: ( وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ) (١).
( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) (٢).
( وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) (٣).
( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَـٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٤)
وقال : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ) (٥)
وقال : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ) (٦)
وقال : ( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (٧)
وقال : ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) (٨)
وقال : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (٩)
وقال : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) (١٠).
وورد في النصوص : أنّ لله في كلّ يومٍ وليلةٍ ملكاً ينادي : مهلاً مهلاً عباد الله عن معاصى الله ، فلولا بهائم رتّع ، وصبية رضّع ، وشيوخ ركّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّاً ترضّون رضّاً (١١).
وأنّ الله إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذابٍ قال: « لولا الذين يتحابّون بجلالي لأنزلت عذاب » (١٢).
وأنّ الله إذا همّ بعذاب أهل الأرض جميعاً لارتكابهم المعاصي نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات ، والولدان يتعلّمون القرآن ، رحمهم ، وأخّر عنهم ذلك (١٣).
وأنّ الله ليدفع بمن يصلّي من الشيعة عمّن لا يصلي ، وبمن يصوم عمن لا يصوم ، وبمن يزكي عمّن لا يزكي ، وبمن يحجّ عمّن لا يحج ، ولو اجتمعوا على الخلاف والعصيان لهلكوا (١٤) ، وهو قوله: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) (١٥).
وأنّه : ما عذّب الله قريةً فيها سبعة من المؤمنين (١٦).
وأنّه : إذا رأيت ربّك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره (١٧).
وأنّه : كم من مستدرجٍ بالاحسان إليه ، ومغرورٍ بالستر عليه ، ومفتونٍ بحسن القول فيه ، وما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له (١٨).
وأنّه ليراكم الله من النعمة وجلين ، كما يراكم من النقمة فرقين (١٩).
وأنّه من وسّع عليه في ذات يده ، فلم يرَ ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً ، ومن ضيّق عليه في ذات يده فلم يرَ ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً (٢٠).
وأنّه : إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فأذنب ذنباً تبعه بنقمة ويُذكّره الاستغفار ، وإذا أراد الله بعبدٍ شرّاً فأذنب ذنباً تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به ، (٢١) وهو قوله تعالى : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) (٢٢) بالنعم عند المعاصي.
____________________________
١) العنكبوت : ٥٣.
٢) فصّلت : ٤٥.
٣) الشورى : ٢١.
٤) النحل : ٦١.
٥) الكهف : ٥٨.
٦) آل عمران : ١٧٨.
٧) التوبة : ٥٥.
٨) الرعد : ٣٢.
٩) آل عمران : ١٧٩.
١٠) الأنعام : ٤٤.
١١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧٦ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٤٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٣٤٤ ـ نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٤٠.
١٢) ثواب الأعمال : ص ٢١٢ ـ علل الشرائع : ص ٥٢١ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٤٧٣ ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ، ص ٤٨٦ وج ٤ ، ص ١٢٠١ وج ١١ ، ص ٣٧٤ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٣٨٢ و ج ٨٤ ، ص ١٦ وج ٨٧ ، ص ١٥٠.
١٣) ثواب الأعمال : ص ٤٧ ـ علل الشرائع : ص ٥٢١ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٣٨٢ وج ٩٢ ، ص ١٨٥.
١٤) البرهان : ج ١ ، ص ٢٣٨ ـ نور الثقلين : ج ١ ، ص ٢٥٣.
١٥) البقرة : ٢٥١.
١٦) الاختصاص : ص ٣٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٣ ، ص ٣٨٣.
١٧) نهج البلاغة الحكمة ٢٥ ـ بحار الأنوار : ج ٦٧ ، ص ١٩٩ وج ٧٣ ، ص ٣٨٣.
١٨) نهج البلاغة : الحكمة ١١٦ و ٢١٠ ـ بحار الأنوار : ج ٥ ، ص ٢٢٠ وج ٧٣ ، ص ١٠٠ وج ٧٨ ، ص ٤٠ ـ نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٢١. ٥
١٩) نهج البلاغة : الحكمة ٣٥٨ ـ بحار الأنوار : ج ٥ ، ص ٢٢٠ وج ٧٣ ، ص ٣٨٣.
٢٠) بحار الأنوار : ج ٧٢ ، ص ٥١ وج ٧٣ ، ص ٣٨٣ ـ مرآة العقول : ج ١١ ، ص ٣٥٢ ـ نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٠٦.
٢١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٢ ـ علل الشرائع : ص ٥٦١ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٣٥٤ وج ١١ ، ص ٣٦٥ ـ بحار الأنوار : ج ٥ ، ص ٢١٧ وج ٦٧ ، ص ٢٢٩ وج ٧٣ ، ص ٣٨٧ ـ نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٠٥.
٢٢) الأعراف : ١٨٢ ، والقلم : ٤٤.
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
ختم الله على قلوبهم
أيهما أكثر صحّة، النّوم على الظّهر أم على أحد الجانبين؟
الدبوس، ضيف مجلس الزّهراء وحديث حول الإصابات الرّياضيّة
الابتلاء ومعنى ربطه بحبّ الله للعبد
تاريخ أصول الحديث
ضرورة الإمامة
الجوهر الفرد
بعض مصاديق الشّرك الخفي وعلائمه
زهور المستقبل، يحتفي بذوي الاحتياجات الخاصّة
السّنن التي تحكم المجتمع والتّاريخ من منظور قرآنيّ