من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

غزوة حمراء الأسد والهزيمة النفسية والإعلامية لقريش

 

السيد جعفر مرتضى .. 

غزوة حمراء الأسد:
في اليوم الثاني من أحد: «خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأمر من الوحي - كما في الرواية - إلى حمراء الأسد، موضع على ثمانية أو عشرة أميال من المدينة، حيث ندب أصحابه، قائلاً: «ألا عصابة تشد لأمر الله، تطلب عدوها؟ فإنها أنكأ للعدو، وأبعد للسمع»[1]. فاشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ)[2]»[3]


دوافع حمراء الأسد ونتائجها:
لقد عرف الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»: أن نتائج حرب أحد، لولا خروجه إلى حمراء الأسد سوف تكون:
 1 - أن تستعيد قريش ثقتها بنفسها، ويزيد ذلك من إصرارها على حرب المسلمين، وتصلبها في موقفها تجاههم. 
 2 - أن تستغل ذلك إعلامياً، بحيث تضعف من مكانة محمد «صلى الله عليه وآله» في نفوس القبائل، ويزيدون جرأة على مناجزته ومقاومته؛ ويسهل عليهم الاستجابة لدعوة حربه.
 3 - أن يصبح سلطان النبي «صلى الله عليه وآله » في المدينة في معرض التزلزل والضعف، بعد أن كان قد استقر وأدخل الرعب في نفوس كل مناوئيه في داخلها، سواء من المنافقين أو من اليهود. وقد دل على ذلك شماتة المنافقين، واليهود، وإظهارهم السرور بما جرى. 
 4 - أن يوجب ذلك تزلزل إيمان ذوي النفوس الضعيفة، ويجعلهم عرضة لاصطياد الآخرين لهم. 
 5 - توقف من كان مهيئاً نفسياً للدخول في الدين الجديد عن الدخول فيه، حتى تتضح له الأمور، وينجلي الموقف. ولا سيما إذا كان إسلامه صورياً من أجل ضمان مصالحه، أو للحصول على مكاسب من نوع ما، حيث لا تبقى ثمة ضمانات للحصول على ذلك، إن لم يكن أصبح يخشى العكس. 
 وعلى ضوء ما تقدم: فقد جاءت حمراء الأسد - التي ربما تبدو للوهلة الأولى غير معقولة - فغيرت الكثير من النتائج المتقدمة، وحولتها لصالح المسلمين، لأن خروج هؤلاء الجرحى في أثر قريش، وهم لا يزيدون على سبعين رجلاً على ما يظهر، في حين لم يكن في هذه الغزوة طمع في مال ولا في غنائم، قد أوضح لكل أحد: أن هؤلاء مستميتون في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم؛ وأن جراحهم تلك لم تحل دون إقدامهم على ملاحقة عدوهم؛ فهم يطلبون الموت ويسعون إليه، فالوقوف في وجه هؤلاء إنما يعني الوقوف أمام خيارين: إما موت هؤلاء، ولا يموتون إلا بعد أن يموت معهم كل من يقدرون عليه، وإما موت عدوهم. وإذا كان جرحاهم على استعداد لمثل هذا، فما حال غيرهم ممن وراءهم، ممن سوف لن يسكتوا عن إمدادهم ومساعدتهم؟!. 
 فخروج الجرحى إذاً  كان هو الأصوب، لأن رهبة العدو تكون أعظم، وخوفه يكون أشد، لأنه يعلم أن وراءهم من لا يحب الحياة أكثر منهم. ولسوف يدرك عدوهم: أن ما جرى في أحد ليس إلا نتيجة نزوة عارضة ألمت، ويصعب تكررها منهم، بعد الذي أصابهم بسببها. كما وتصير حجة من يريد التشكيك بقدرتهم الطبيعية على المواجهة - من المنافقين أو اليهود - ضعيفة وواهية، يصعب تقبلها.
إذاً، فمواجهة المسلمين وهم في قدرتهم الطبيعية، وحين لا يكون ثمة حالة استثنائية - كما جرى في أحد - سوف يكون عملاً انتحارياً، لا مبرر له، ولا منطق يساعده. ولا سيما بعد أن تعلم المسلمون هذا الدرس الصعب، الذي كلفهم غالياً، فإن احتمال حدوث حالة استثنائية بعده يكاد يلحق بالممتنعات. ولذلك فقد أوقد المسلمون خمسمائة نار، فكبت الله بذلك عدوهم، وأرجع كل القبائل المحيطة بالمدينة إلى صوابها، وأفهمها: أن عليها أن لا تغتر بما جرى في أُحد. كما أن عليها: أن تعرف: أنه لو كان ما جرى في أحد طبيعياً، لما آثرت قريش الفرار من وجه سبعين من الجرحى. وهي التي ينبغي أن تكون أشد طغياناً وتجبراً، وأكثر إقداماً على المسلمين من ذي قبل. وكان ينبغي - لو كان يمكنها - أن تغتنمها فرصة للقضاء على هذه القلة القليلة، المنهكة، والمثخنة بالجراح. وتقتل مصدر متاعبها وآلامها، وأعني به رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما دام أنه في جماعة لا تستطيع أن تدفع عنه، ولا عن نفسها شيئاً.
 ففي حمراء الأسد هزيمة نفسية وإعلامية لقريش، كما أن في ذلك إعطاء الفرصة لسائر القبائل لتقييم معركة أحد تقييماً صحيحاً وسليماً، بعيداً عن الغرور والتضليل. وهي أيضاً إبطال لكيد المنافقين واليهود، وتأييد لسلطان المسلمين في المدينة، وربط على قلوبهم، ورفع لمعنوياتهم. وهذا معنى قوله «صلى الله عليه وآله»: «فإنها أنكاء للعدو، وأبعد للسمع».
 ويلاحظ أخيراً: أن معبد الخزاعي قد ذكر لقريش: أن علياً قد يدركهم قبل أن يرتحلوا، فدعاهم ذلك إلى التعجيل بالرحيل، قبل أن يدركهم أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب. وهذا يؤكد على دوره الفريد والمتميز في إلحاق الهزيمة النكراء بجيش المشركين في أحد؛ حتى صار يطلبه المشركون بثارات أحدية[4] أضيفت إلى ثاراتهم البدرية، كما ورد التصريح به في أكثر من مورد في تأريخ الصدام فيما بين الحق والباطل بعد ذلك.


[1] - مجمع البيان ج 2 ص 539، والبحار ج 20 ص 39.
[2] - الآية 139 من سورة آل عمران.

[3] - راجع: مجمع البيان ج 2 ص 509، والبحار ج 20 ص 22.
[4] - البحار ج 36 ص 54 و 55 و ج 43 ص 156، والمناقب لابن شهرآشوب ج 2 ص 203، وفي (ط أخرى) ج 1 ص 381، والعوالم ص 250.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد