مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أثير السادة
عن الكاتب :
كاتب وباحث ومصور فوتوغرافي، له مجموعة من المؤلّفات منها: (تحولات الصورة) و(وشاية الصورة: أسئلة وتأملات في أخلاقيات الصورة) و(وضوضاء العزلة)

الصورة والفاعلية التواصلية

في يوميات التواصل، تحضر الصورة كشكل من أشكال التعبير عن مزاجنا، اهتماماتنا، رغباتنا، يتبادلها الناس كأنهم يتبادلون ما يشبه ظلال السّرديات التي باتت الصورة تزيحها وتحل مكانها، ما يفعله الناس بالصورة يشبه التبشير بلغة جديدة أخذت تتمدد وتتسع، وتختبر معها أشكال التلقي والتفاعل في الجهة الأخرى، فالدخول إلى الصورة لا يشبه الدخول إلى نص مكتوب، ثمة سعة تختفي خلفها تفاصيلنا المعلنة وغير المعلنة، ما يجعل الصورة جسدًا أكثر انفتاحًا على تآويلات التلقي.

 

الذين ينشرون صورهم في فضاءات التواصل، ينالون في نهاية المطاف أحد أمرين: عددًا من اللايكات التي تعيد دوزنة الأحاسيس عند صاحبها، أو عدداً من التعليقات التي تنزلق على هامش الصورة، فتكشف النص الموازي لها في لحظات التلقي، أي ما تتركه من أثر، وتحرضه من كلام يجري في صيغة مداخلات، قد لا تتجاوز حدود الإعجاب، أو التأمل، أو الشروحات التي لا تخلو من نزق نقدي أو حس مدرسي.

 

ما قيمة التعليقات التي تنتجها الصورة في فضاءات التواصل؟ سؤال لا يمكن مغادرته كلما عبرنا من أمام سيل من التعليقات، الإيجابية منها والسلبية، القريبة من موضوع الصورة والبعيدة عنها، فالالتفات إلى الوظيفية التواصلية للصورة يجعلنا نتروى قليلاً في تقويم التهميشات الكثيرة التي تنشأ على أطراف الصور، خاصة وأن أغراض الصور ودوافعها متباينة، أي أنها غير مرصودة دائمًا لأن تكون فعلاً جماليًّا، الأمر الذي يفتح دائرة الكتابة حولها وعنها، فطالما كان للتواصل حضور جوهري فيها فإن التجاوب مع الصورة هو حالة حوارية بالدرجة الأولى، مأخوذة بتفاصيل الحديث اليومي لدى الناس، غير أن التفاعل في مساحات التواصل الاجتماعية يميل لأن يكون متأرجحاً بين حالة احتفالية مغرقة في عبارات المديح والقريض، وحالة سجالية لا تكف عن تمرير مهاراتها الكلامية، وهذا ما يحدث غالبًا حول الصور المرفوعة برغبة الإثبات والنفي.

 

الصورة تحرض دائماً على الكلام، لذلك هي قادرة على جلب ألف كلمة حولها، لا أن تكون بديلاً عنها، كلمات تضيء الصورة من خارجها، تضيف إليها وتحذف منها، أي أنها فعل تأويل مستمر، طالما بقيت الصورة في جوهرها صامتة، وقد يعمد مرسل الصورة إلى توجيه طرائق الاستقبال عبر إدراج وصف للصورة، في محاولة لموضعة الصورة ضمن إطار محدد للتلقي، أو على الأقل تقديم مفاتيح للإمساك بأبعادها.. هي خيار تفسيري إن شئنا القول، يدفق الصورة ببعض المعاني المقصودة، دون أن تقطع الطريق على تأسيس علاقات أخرى مع المعاني المحتملة للصورة.

 

ما بين كلام الناس حول الصورة والصورة ذاتها ثمة جسور تبنى وتهدم في آن، فالقيمة المضافة التي تترجى مما ندعوه حوارية الصورة تتأرجح على حد الوسيط الذي تنقل من خلاله الصورة، أي الموقع أو المنصة التي تشاهد من خلالها، فهنالك ما يشبه الأعراف التي تنبني عبر الممارسات الجماعية فيها وتصبح كاتالوجًا لطبيعة التعامل والتفاعل مع الصور، إلى الحد الذي ستحاول فيه التطبيقات أو المواقع إعادة تكييفها ضمن رموز وصور تعبيرية مختزلة، هي الدليل على انتهاء كل الوعود التي انتظرنها على ضفاف الصورة الرقمية في تحالفها مع اللحظة السبرانية إلى مجرد خطوات لا تترك أثرًا عميقًا في الصورة وفضاء تداولها.

 

يوم كانت للصورة منتدياتها الخاصة كنّا نتخيل الحوارات الدائرة حولها كجزء متمم لجماليتها، ونطمع لو أن معرضاً مغامراً يجلب تلك السجالات والتعليقات ضمن فضاء العرض ليحيي القيمة التواصلية للصورة، ويعزز من رغبة الحوار، والتأكيد على قيمته المضافة.. أما اليوم، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الصورة ركناً ركيناً من الواقع الافتراضي، تراجحت الحظوظ بإنجاز ما يضفي قيمة لهذه الحوارية الغائبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر

https://assourah.wordpress.com/2021/06/18/الصورة-إن-حكت-91-2

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد