مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

العدل في الكتاب والسّنّة

 [يمكن تقسيم الموضوع الى مطلبين هما]:

 

[المطلب الأول ]: العدل في الذّكر الحكيم:

 

تضافرت الآيات الكريمة مركزة على قيامه سبحانه بالقسط، نورد فيما يلي بعضاً منها: قال سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].

 

وكما شهد على ذاته بالقيام بالقسط، عرّف الغاية من بعثة الأنبياء بإِقامة القسط بين الناس. قال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].

 

كما صرّح بأن القسط هو الركن الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة، إذ يقول سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47].

 

وما في هذه الآيات وغيرها إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته، بأنَّ العدل كمالٌ لكل موجود حيّ مدرك مختار، وأَنَّه يجب أَنْ يتصف اللهُ تعالى به في أفعاله في الدنيا و الآخرة، ويجب أن يقوم سفراؤه به.

 

[المطلب الثاني]: العدل في روايات أئمة أهل البيت:

 

اشتهر عليّ (عليه السَّلام) وأولاده بالعدل، وعنه أخذت المعتزلة، حتى قيل: «التوحيد والعدل علويان والتشبيه والجبر أمويان». وإليك بعض ما أثِرَ عنهم (عليهم السّلام):

 

1 ـ سئل عليّ (عليه السَّلام) عن التوحيد والعدل، فقال: «التَوْحِيدُ أنْ لا تَتَوَهَّمَهُ والعَدْلُ أنْ لا تَتَّهِمَهُ» (1) وقد فُرض كونه سبحانه عادلاً فطلب معناه.

 

قال ابن أبي الحديد: «هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح، ومعنى قوله: «أنْ لا تتوهمه»: أنْ لا تتوهمه جسماً أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئاً لكل الجهات، كما ذهب إليه قوم، أو نوراً من الأنوار، أو قوة سارِيّة في جميع العالم كما قاله قوم، أو من جنس الأَعراض التي تحل الحالّ أو تحل المَحَل وليس بعَرض، كما قاله النصارى، أو تحله المعاني والأعراض فمتى تُوُهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد.

 

وأما الركن الثاني فهو «أنْ لا تتهمه»: أي أَنْ لا تتهمه في أنَّه أَجبرك على القبيح ويعاقبك عليه، حاشاه من ذلك ولا تتهمه في أنَّه مكّن الكذّابين من المعجزات فأضل بهم الناس، ولا تتهمه في أَنَّه كلّفك ما لا تطيقه وغير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أَصحابنا مفصلة في كتبهم، كالعوض عن الأَلم فإِنه لا بدّ منه، والثواب على فعل الواجب فإِنه لا بد منه، وصدق وعده ووعيده فإِنه لا بد منه.

 

وجملة الأمر أَنَّ مذهب أَصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام). وهذا الموضع من المواضع التي قد صرّح فيها بمذهب أصحابنا بعينه وفي فرض كلامه من هذا النمط ما لا يحصى» (2).

 

2 ـ روى (الصدوق) عن الصادق (عليه السَّلام) أنّ رجلاً قال له: إِنَّ أساس الدين التوحيد والعدل، وعِلْمُهُ كثيرٌ، ولا بدّ لعاقل منه، فاذكر ما يَسْهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حفظُه. فقال (عليه السَّلام): «أَمّا التّوحيدُ فَأَنْ لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّك ما جازَ عليكَ، وأمّا العَدْل فَأَنْ لا تَنْسبَ إلى خَالِقِكَ ما لاَمَكَ عَلَيْهِ» (3).

 

3 ـ وقال علي (عليه السَّلام): «وَأشْهَدُ أنَّه عَدْلٌ عَدَل، وحَكَمٌ فَصَل» (4).

 

4 ـ وقال (عليه السَّلام): «الذي صَدَقَ في ميعادِهِ، وارتَفَعَ عن ظُلْمِ عبادِهِ، وقَامَ بالقِسْطِ في خَلْقِهِ، وعَدَلَ عليهم في حُكْمِهِ» (5).

 

5 ـ وقال صلوات الله عليه: «الذي أعْطى حِلْمُهُ فَعَفَا، وعَدَلَ في كل ما قَضَى» (6).

 

6 ـ وقال (عليه السَّلام): «اللّهُمَّ احمِلني على عَفْوِكَ، ولا تَحْمِلني على عَدْلِكَ» (7).

 

إلى غير ذلك من المأثورات عن أئمة أهل البيت ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ نهج البلاغة ـ قسم الحكم ـ رقم 470.

2 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 20 ، ص 227.

3 ـ التوحيد ، باب معنى التوحيد والعدل ، الحديث الأول ، ص 96.

4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 214.

5 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 185.

6 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 191.

7 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 227.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد