من التاريخ

باقر العلوم

الشيخ عبدالله اليوسف

 

اشتهر الإمام محمد الباقر عليه السّلام في زمانه شهرة عظيمة بمكانته العلمية الراقية، ما جعل العلماء والفقهاء والرواة يفدون إلى مجلسه للاستفادة من نمير  علومه، ولما عُرِف عنه من تنوع معارفه، وتضلعه في مختلف العلوم الإسلامية.

 

وقد أكد على هذه الحقيقة الشيخ المفيد بقوله: (ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السّلام من علم الدين والآثار والسنة، وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السّلام، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار بالفضل به علماً لأهله تضرب به الأمثال، وتسير بوصفه الآثار والأشعار) (1).

 

ولم تقتصر شهرة الإمام الباقر عليه السّلام العلمية على منطقة الحجاز التي كان يعيش فيها الإمام؛ بل امتدت شهرته على نطاق واسع في الحواضر العلمية والمهمة كالعراق وخراسان وغيرها.

 

وقد أجاد كمال الدين وهو يصف علم الإمام الباقر عليه السّلام عندما قال: (هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوق دره وراضعه، ومنمق دره وواضعه) (2).

 

وبالرغم من أن للإمام الباقر عليه السّلام ألقاباً متعددة، إلا أنه اشتهر بلقب (الباقر)، وذلك لبقره العلوم بقراً، وقد سماه بهذا اللقب الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، كما ورد بطرق كثيرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

 

وتسمية الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله للإمام محمد بن علي عليهما السّلام بالباقر له دلالات مهمة، إذ يدل على المكانة العلمية المميزة للإمام الباقر عليه السّلام وسعة علومه ومعارفه.

 

ومعنى الباقر كما في كتب اللغة: التبحر والتوسع في العلم، ففي الصحاح: التبقر التوسع في العلم. وفي القاموس: الباقر محمد بن علي بن الحسين لتبحره في العلم. وفي لسان العرب: لقب به لأنه بقر العلم، وعرف أصله، واستنبط فرعه، وتوسع فيه، والتبقر التوسع (3).

 

وعن العلة التي من أجلها سمي أبو جعفر محمد بن علي الباقر، ورد في كتب الحديث عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: لم سمي الباقر باقراً؟ قال: لأنه بقر العلم بقراً - أي شقه شقاً وأظهره إظهاراً- (4).

 

وقد أشار الإمام الصادق عليه السّلام إلى أن لقب الباقر فضيلة اختصت بأبيه (5).

 

ولا شك أن شهرة الإمام الباقر عليه السّلام العلمية ومكانته بين العلماء والظروف السياسية التي عاصرها، ساعدت على نشره للعلوم الإسلامية المختلفة، وقد استطاع أن يمتد بتأثيره العلمي إلى أغلب الحواضر الإسلامية الكبرى، وبناء جامعة إسلامية كبيرة، وتخريج أعداد كبيرة من العلماء والفقهاء والرواة، وتدوين الحديث ونشره.

 

وقد أضحى مجلس الإمام الباقر عليه السّلام قبلة للعلماء والفقهاء والرواة وغيرهم، يأخذون عنه العلوم، ويتتلمذون عليه في كل فروع المعرفة، ويتعلمون منه معالم الدين وأحكامه (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الإرشاد، الشيخ المفيد، ص 293 - 294.

2. كشف الغمة، العلامة الإربلي، ج2، ص 274.

3. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الخامسة 1418هـ - 1998م، ج2، ص493.

4. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج1، ص 228، رقم 1.

5. الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 62.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد