الشيخ محمد جواد مغنية
«حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ». (18 النمل).
اختلف المفسرون في مكان هذا الوادي، فمن قائل: إنه في الطائف، وقائل هو بالشام، ومهما يكن، فإن الآية تدل على أن للنمل إدراكًا ولغة ونظامًا، وهذا ما أثبته العلم، أمّا معرفة سليمان بلغة النمل، فلا تفسير لها إلا بالمعجزة الخارقة.
وتسأل: كيف سمع سليمان كلام النملة، وبينه وبينها من البعد ما اللَّه أعلم به، مع أن أحدنا لو أدخل النملة إلى أذنه لا يسمع لها صوتا؟!
وجاء في بعض الروايات أنّ الريح حملت لسليمان كلام النملة. ويؤيّد هذه الرواية قوله تعالى: «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ». (36 ص).
«فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ». (19 النمل).
حين طلب سليمان من ربه أن يهبه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، أراد بالملك تسخير الرياح والجن والطير ونحوه، لأن التمكين في الأرض قد منحه اللَّه إلى كثيرين، ولـمّا أتى سليمان على وادي النمل، وحملت له الريح قول النملة وفهم معناه، أدرك بأن هذا مما لا يكون لأحد من بعده، فاغتبط بهذه النعمة، وأدّى حقها بالشكر للَّه، ومجرد الشعور بأن هذه النعمة من اللَّه هو نوع من الشكر، وأعظم أنواعه هو عمل الخير لوجه الخير.
وكما دلت الآية على أن لسليمان دولته وجنوده، وأن اللَّه سبحانه قد ألهمه العلم بلغة النملة ومنطقها، فقد دلّت أيضًا على أن للنملة دولتها ورعيتها، وأن اللَّه قد ألهمها العلم ببعض الآدميين وأسمائهم، وإلا فمن أين لها العلم بأن هذا القادم العظيم بموكبه وجنوده هو سليمان بن داود؟... إنها عظيمة في عالمها تمامًا كسليمان في عالمه، وإنها تعدل في الرعية، وترفق بها، وتسهر على مصالحها، وتؤدي حق الولاية كاملة، كما يفعل سليمان وغيره من ولاة الحق والعدل.
ومن تأمّل وتدبّر حادث النملة مع سليمان، ينتهي إلى العبر والعظات التّالية:
1 - إن النظام والتقدير يعم ويشمل جميع الكائنات من أصغر صغير كالنملة إلى أكبر كبير كالمجرّات، ولا تفسير لهذا النظام الدقيق، والتدبير العجيب إلا بوجود قادر عليم: «وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً». (2 الفرقان).
2 - إن المشاركة الوجدانية والشعور بالمسؤولية نحو الآخرين لا يختص بالإنسان، بل يعم ويشمل الحيوانات والطيور والحشرات... فهذه الذرة التي لا تكاد ترى بالعين حين أحست بالخطر على جماعتها، وأبناء جنسها وقفت تحذرهم وتقول: «ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ». وقد أورد أهل الاختصاص العديد من الشواهد على هذه الحقيقة من حياة الحيوان.
3 - إن اللَّه سبحانه إذا أنعم على عبد من عباده بنعمة كالعلم أو السلطان وغيره، فعليه أن يشكر اللَّه ويتواضع له وللناس، ولا يأخذه الخيلاء والعجب، ويتطاول بنعمة اللَّه على الآخرين، وأن يكون على يقين بأن هذه النعمة قد أنعم اللَّه بمثلها وبخير منها على أضعف الكائنات، وإن الإنسان ليس هو الكائن المدلل الذي خصه اللَّه بفضله ورحمته دون الخلق أجمعين... وقد أثبتت الكشوف العلمية أن هناك أكوانًا أعظم من هذا الكون الذي نراه، وأنه لا أحد يستطيع معرفة حقيقتها إلا خالق الكائنات، وأن الإنسان بالنسبة إليها ليس شيئًا مذكورًا...
ويومئ إلى ذلك قوله تعالى: «لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ». (57 غافر). وعلى هذا فإن الآيات التي تقول: «تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ . . يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ . . وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ». (24 فاطر). إن هذه الآيات وأمثالها تعم وتشمل الإنسان وغير الإنسان... وتجدر الإشارة إلى أن اللَّه سبحانه قد أطلق كلمة الأمة على غير البشر كما في الآية 38 من سورة الأنعام: «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ».
عدنان الحاجي
الفيض الكاشاني
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد علي التسخيري
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد جواد البلاغي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
الأكثر خبرة في الحياة وتجزئة التجارب إلى أحداث
الشّاعر بليغ البحراني ضيف (نخيل عراقيّ) في بغداد
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}
معنى كلمة (نهى) في القرآن الكريم
الولاية والتمكين بين الاصطلاح وحراك المعنى
مشاهير مفسري الشيعة في القرنين الخامس والسادس (2)
نبي الإسلام القائد والمدير الفريد
منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (2)
وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (2)
أوّل دروس النبيّ (ص): بناء الأمّة