السيد موسى الصدر
﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر).
... لقد قلنا أن القرآن الكريم يعتبر الإنسان، كل إنسان، في خسر، إلا إذا توفرت عنده شروط أربعة. أولًا الإيمان وقد تحدثنا عنه. والشرط الثاني ﴿وعملوا الصالحات﴾.
فالإيمان يذوب ويتقلص بالتدريج إذا لم يعمل الإنسان العمل الصالح. والعمل الصالح بالإضافة إلى أنه صيانة للإيمان، فإنه رسالة الإنسان في الحياة، ومساهمة منه في بناء البيئة الصالحة، ودوره في إقامة المجتمع المطلوب.
فالعمل الصالح له تأثير في ذات الإنسان، أي في إيمان الإنسان، وله تأثير في الكون بمساهمة الإنسان في بنائه، وله تأثير في إقامة المجتمع، أي في الإنسان الآخر من خلال تأثيره الاجتماعي على الوضع العام.
وفي اختيار كلمة الصالحات في القرآن الكريم دون البرّ والطيبات، وسائر المصطلحات القرآنية، اختيار كلمة الصالحات إلى جانب مفهومها التربوي، أي تشجيع الإنسان على هذه الأمور، دلالة واضحة على آثار هذه الكلمة، وهذه الأعمال على الذات، وعلى الناس وعلى الكون لأنها متقاربة مع كلمة الإصلاح. فالإصلاح، والصلاح والمصلح، كلمات متقاربة مشتقة من مصدر واحد. إذًا، عندما يشجع القرآن الكريم الإنسان على العمل الصالح يذكِّره بأن في ذلك إصلاح لنفسك، ولكونك، ولأهلك وللناس جميعًا.
أما الشرط الثالث فهو التواصي بالحق، التواصي كما نعرف تفاعل، ولذلك فإن الكلمة تدل على مسؤولية الفرد والإنسان تجاه الفرد الآخر، وتجاه أخيه الإنسان. وهذا تعبير وتأكيد على خطورة التجاهل لعمل الآخرين. فليس من حقي أن أقول: أنا أعمل، ولا علاقة لي بعمل الآخرين؛ بل إذا تجاهلت عمل الآخرين، والآخرون تجاهلوا عملي، فإن الخير لدي ولديهم يذوب، ويتقلص وينتهي. فالمناخ الصالح، وهو ولادة التواصي، يصون إيمان الفرد وصلاح الفرد.
أما كلمة الحق ﴿وتواصوا بالحق﴾، فالحق هدف ووسيلة في نفس الوقت. فالسعي إلى الأهداف الحقة وبالوسيلة الحقة، فالوسيلة لا تنفصل عن الهدف بل هي جزء من الهدف.
والشرط الرابع: ﴿وتواصوا بالصبر﴾. والصبر على أنواعه الثلاثة المستعملة في القرآن الكريم، وهي الصبر في الطاعة، والصبر في المعصية، والصبر في الحرب. الصبر هذا طريق النجاح في الحياة، السلاح المطلوب لمعركة الحياة وللوصول إلى الحق. ذلك لأن الإنسان الذي يريد أن لا يصبر أمام المغريات، وأمام وسائل الضغط، وأمام الاصطدامات، فهو يستسلم للوضع الموجود وينسجم مع الواقع المتخلف، ويركن للظالمين. ولذلك فالوصول إلى الحق سلاحه الوحيد، الصبر؛ ذلك لأن الصبر طريق للوصول إلى الهدف، وطريق لخوض الوسيلة الشريفة للوصول إلى الهدف الشريف.
وهنا علينا أن نتذكر أن الحق في المصطلح القرآني صفة لله أيضًا. إذًا، فإذا قلنا أن الله حق، وأن الإنسان يجب أن يسلك السبيل الحق ويصل إلى الهدف الحق، نجد الإنسجام التام بين كلمة الإيمان بالله، الذي يَفْرض على الإنسان أن يكون في خط الله الحق، وأن يسلك سبيل الله الحق كما يسميه القرآن الكريم.
وهنا نعود أيضًا لنُذكِّر بما ورد في بداية الحديث، أن الحديث الشريف يؤكد أن أصحاب الرسول، عليه الصلاة والسلام، وهم بناة الإسلام، كانوا عند لقائهم لا يتفارقون، إلا أن يقرأ أحدهم للآخرين هذه السورة؛ وهذا يكشف عن أهمية هذه السورة في حياة الإنسان.
ونحن نتفاءل بهذه السورة حتى نضع أنفسنا أمام التأكيد على هذه الشروط الأربعة: نؤمن بالله ونعمل الصالحات فنبني أنفسنا وأوطاننا، ونتواصى، كلٌّ يوصي الآخر بالحق وبالصبر، فنتجنب الأهداف الباطلة ونتجنب الوسائل المنحرفة، حتى ولو أوصلت إلى الأهداف الصحيحة بتصورنا.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ شفيق جرادي
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد عباس نور الدين
السيد عادل العلوي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
معطيات السخاء
صلاة الخوف
مصلحة الفرد والمجتمع
عالم المثال في الفلسفة الإسلامية: ابن سينا، والسهروردي، والشهرزوري وآخرون
حاكميّة الأخلاق
سرّ العلمانية وسحرها (1)
في رحاب سورة العصر (4)
نحن نصدر ضوءًا مرئيًّا يختفي عندما نموت!
كيف تتعامل مع جيرانك؟
(الصفوة الخَيِّرة من رجال الأئمة الأطهار) جديد الشّيخ عبدالله اليوسف