
السؤال: يفسّر الملكوت الوارد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة على أنّه باطن العالم، وأنّ هناك ملكاً وملكوتاً، وقد رأيت هذا التفسير في الكثير من كلمات المفسّرين والفلاسفة والعرفاء، وأيضاً علماء الكلام، ويمكن أن يراجع قوله تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت كلّ السماوات والأرض)، فما معنى الملكوت الذي هو باطن العالم؟ وكيف ترتبط هذه الفكرة بالقضايا العقائديّة والفلسفيّة الأخرى؟
الجواب:
إنّ دعوى أنّ الملكوت الوارد في القرآن هو باطن العالم وما أشبه ذلك، تعبّر ـ من وجهة نظري المتواضعة ـ عن إسقاط المصطلح الفلسفي والعرفاني على اللغة العربية، ولا علاقة لهذه الكلمة بهذا المعنى بحسب ورودها في القرآن الكريم؛ لأنّ العرب لم تطلق الكلمة على باطن العالم كما اصطلحه الفلاسفة والعرفاء والمتصوّفة فيما بعد، وهذه من المشاكل العظيمة في إسقاط المصطلح الحادث على المعنى اللغوي، فالملكوت في اللغة يعني الملك بعينه وليس شيئاً آخر، فملكوت زيد يعني ملكه وعزّه، ولا فرق بين الكلمتين، ونصوص اللغويين تشهد على ذلك، ولا أقلّ من عدم وجود شهادة لغوية بالتفسير الصوفي لهذه الكلمة:
قال الجوهري: (الملكوت من الملك، كالرهبوت من الرهبة. يقال: له ملكوت العراق وملكوة العراق أيضاً، مثال الترقوة: وهو الملك والعز. فهو مليك، وملك وملك، مثل فخذ وفخذ، كأنّ الملك مخفّف من ملك، والملك مقصور من مالك أو مليك. والجمع الملوك والأملاك، والاسم الملك، والموضع مملكة) (صحاح اللغة 4: 1610).
وقال ابن منظور: (والملك: معروف، وهو يذكّر ويؤنث كالسلطان، وملك الله تعالى وملكوته: سلطانه وعظمته. ولفلان ملكوت العراق أي عزّه وسلطانه وملكه، عن اللحياني، والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، ويقال للملكوت ملكوة، يقال: له ملكوت العراق وملكوة العراق أيضاً مثال الترقوة، وهو الملك والعز) (لسان العرب 10: 492).
وقال أيضاً: (وقوله تعالى: ملكوت كل شيء، أي القدرة على كلّ شيء، وإليه ترجعون، أي يبعثكم بعد موتكم. ويقال: ما لفلان مولى ملاكة دون الله أي لم يملكه إلا الله تعالى) (لسان العرب 10: 492). وكلّ من راجع كتب العربية يعرف أنّ ملكوت هي قراءة في ملك، وليس لها أيّ ارتباط بجانب باطن الأشياء.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي: (قيل في معنى الملكوت أقوال: قال الزجاج، والفراء والبلخي والجبائي والطبري، وهو قول عكرمة: إنّ الملكوت بمنزلة الملك غير أنّ هذه اللفظة أبلغ من الملك، لأنّ الواو والتاء يزادان للمبالغة. ومثل الملكوت الرغبوت والرهبوت ووزنه (فعلوت)، وفى المثل (رهبوت خير من رغبوت)، ومن روى (رهبوتي خير من رحموتي)، معناه أن يكون له هيبة يرهب بها خير من أن يرحم.
وقال مجاهد: (ملكوت السماوات والأرض) ملكهما بالنبطية. وقال الضحاك: يعني خلقهما، وبه قال ابن عباس، وقتادة. وروي عن مجاهد أيضاً أنّ معناه آيات السماوات والأرض. وروي عن مجاهد وابن عباس أيضاً أنه أراد بذلك ما أخبر الله عنه أنّه أراه من النجوم والشمس والقمر، حين خرج من المغارة، وبه قال قتادة. وقال الجبائي: المعنى إنّا كنّا نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض والحوادث الدالّة على أنّ الله مالك لها، ولكل شيء بنفسه، لا يملكه سواه، فأجرى الملكوت على المملوك الذي هو في السماوات والأرض معاً) (تفسير التبيان 4: 176 ـ 177؛ وانظر: الطبرسي، مجمع البيان 4: 90).
فلا تعرف العربية التي نزل بها الكتاب وجاءت بها السنّة شيئاً من هذه المعاني التي قام بعض الفلاسفة والعرفاء والمتصوّفة والمتكلّمون فيما بعد بإسقاطها على الآيات والروايات، وقد نبّه العلماء إلى هذه المشكلة العويصة في فهم النصوص الدينية، من حيث إنّه قد ينساق إلى الذهن المعنى المصطلح، فيما تريد النصوص القديمة المعنى اللغوي، فنقع في الإسقاط المخلّ بدلالات النصوص، وفي هذا يقول الإمام الخميني ـ رحمه الله ـ متحدّثاً عن العلوم التي تهمّ عملية الاستنباط: «ومنها: الأنس بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات العرفية، مما جرت محاورة الكتاب والسنّة على طبقها، والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة وبين المعاني العرفية العادية؛ فإنه كثيراً ما يقع الخطأ لأجله، كما يتفق كثيراً لبعض المشتغلين بدقائق العلوم ـ حتى أصول الفقه بالمعنى الرائج في أعصارنا ـ الخلط بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبنيّ عليها الكتاب والسنّة، والدقائق الخارجة عن فهم العرف. بل قد يوقع الخلط لبعضهم بين الاصطلاحات الرائجة في العلوم الفلسفية أو الأدق منها، وبين المعاني العرفية، في خلاف الواقع لأجله» (انظر له: الاجتهاد والتقليد: 9 ـ 10).
شكل القرآن الكريم (3)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)
محمود حيدر
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
الشيخ محمد مصباح يزدي
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
الشيخ مجتبى الطهراني
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
شكل القرآن الكريم (3)
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
الزهراء عليها السّلام إشراقات مباركة
(سنابل يوسف) جديد الكاتب عبدالعزيز آل زايد
واحد وثلاثون عملاً للحبارة في تحدّي (إنكتوبر 2025)
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)