الشيخ مرتضى الباشا
قال الله تعالى {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} سورة التوبة - 128.
أولاً: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ):
1: المجيء: شبّه توجّهه إليهم بالخطاب والدعوة (الذي لم يكونوا يترقبونه) بمجيء الوافد إلى الناس من مكان آخر، وهو استعمال شائع في القرآن.
2: (رسولٌ) بلفظ التنكير، للدلالة على التعظيم.
3: عنى بالرسول (محمدًا) صلّى الله عليه وآله وسلّم، أي : جاءكم رسول من جنسكم من البشر. نظير قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) النساء: 1. (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ) الكهف: 110.
وإنّما ذكر ذلك لأنّه أقرب إلى الألفة، وأبعد من اللجاج، وأسرع إلى فهم الحجة.
4. قال الشيخ الطبرسي:
(والقراءة المشهورة (من أنفُسكم) بضم الفاء. وقرأ ابن عباس، وابن علية، وابن محيصن، والزهري: (من أنفَسِكم) بفتح الفاء، وقيل: إنها قراءة فاطمة عليها السلام... ومن قرأ (من أنفَسكم) بفتح الفاء: فمعناه (من أشرفكم، ومن خياركم)، يقال هذا أنفس المتاع أي: أجوده وخياره، واشتقاقه من النفس، وهي أشرف ما في الإنسان). تفسير مجمع البيان 5: 146.
ثانيًا: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ):
شاق شديد عليه ما يصيبكم من (إثم وهلاك وضرر وتعب) فلا يقدر على إزالته، فهو يتألم لألمكم ولما يصيبكم، وإذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الضغوطات النفسية والاقتصادية والحروب وغيرها، فإنما هو لهدايتكم وتخليصكم.
ثالثًا: (حَرِيصٌ عَلَيْكُم):
الحرص هو الاجتهاد وشدة الطلب للشيء مع الإصرار والاستمرار. ولم يحدد مجالاً خاصًّا لحرص رسول الله، فهو يشمل جميع ما فيه صلاح الناس وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم.
وقد بلغت شدة حرصه حتى قال الله سبحانه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) الكهف: 6.
رسول الله لا يلقي بكم في المهالك، ولا يريد إتعابكم؛ فإذا هو كلّفكم الجهاد، وركوب الصعاب وغير ذلك، فما ذلك من هوان بكم عليه، ولا بقسوة في قلبه وغلظة، بل لأنّ في ذلك صلاحكم ونجاتكم وسعادتكم.
رابعًا: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ):
قيل: الرأفة: شدة الرحمة، فيكون ذكر (الرحمة) بعد (الرأفة) من باب (ذكر العام بعد الخاص). وقيل: رؤوف بـ (المطيعين من المؤمنين)، رحيم بـ (المذنبين من المؤمنين). وهناك (رحمة أخرى أعمّ وأشمل)، قال عزّ وجلّ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 107. وقيل: الرأفة: رقة تنشأ عند حدوث ضرّ بالمرؤوف به. والرحمة: رقة تقتضي الإحسان للمرحوم. إذن: بينهما عموم وخصوص مطلق، ولذلك جمع بينهما هنا، ولوازمهما مختلفة.
وقال بعض السلف: لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم، فإنّه قال: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وقال: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) البقرة 143 – الحج 65.
الحاصل:
الآية الكريمة تشير إلى شدة ارتباط النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالناس، فهو منهم، ولهذا السبب فإنّه يعلم كل آلامهم، ومطلع على مشاكلهم، وشريكهم في غمومهم وهمومهم، وشديد الحرص على هدايتهم وصلاحهم وراحتهم، فلا يخطو خطوة ولا يتكلم بكلام إلا لما يصلح آخرتهم ودنياهم ويقرّبهم إلى النجاة والسعادة. ومن كان بهذه المواصفات، فهو جدير بالاتباع والانصياع، وأن تأنسوا به وتحنوا إليه، وأن تجيبوا دعوته وتصغوا إليه وتغتنموا توجيهاته وسيرته.
وهذه دعوة لجميع الدعاة والمبلغين ليقتدوا بخاتم الأنبياء والمرسلين في كيفية وشدة حرصه على المجتمع ومحبته وشفقته.
السيد جعفر مرتضى
السيد علي عباس الموسوي
الشيخ محمد علي التسخيري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
أثير السادة
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
حياتنـا كما يرسمها الدين
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
هل أنا زائد عن الحاجة؟
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
(اكتب خطّة حياتك خطوة بخطوة) باكورة أعمال الدّكتورة إيمان المعلّم
معنى (جنب) في القرآن الكريم
الحسد والحاسدون