قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

المناهج التفسيرية

 

الشيخ جعفر السبحاني
يتميز القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية بآفاقه اللامتناهية كما عبّر عن ذلك خاتم الأنبياء (ص) وقال: (ظاهره أنيق وباطنه عميق. له تخوم وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه)(1) وقد عبّر سيد الأوصياء بقوله: (وسراجاً لا يخبو توقده وبحراً لا يدرك قعره -إلى أن قال- وبحراً لا ينزفه المستنزفون وعيوناً لا ينضبها الماتحون ومناهل لا يفيضها الواردون)(2).
ولأجل ذلك صار القرآن الكريم النسخة الثانية لعالم الطبيعة الذي لا يزيد البحث فيه والكشف عن حقائقه إلا معرفة أن الإنسان لا يزال في الخطوات الأولى من التوصل إلى مكامنه الخفية وأغواره البعيدة.
وهذا هو المتوقع من الكتاب العزيز النازل من عند الله الجليل لأنه كلام من لا يتصور له نهاية فيناسب أن يكون فعله مشابهاً لوصفه ووصفه حاكياً عن ذاته وبالتالي يكون القرآن مرجع الأجيال، وملجأ البشرية في جميع العصور.
ولما ارتحل النبي الأكرم والتحق بالرفيق الأعلى ووقف المسلمون على أن فهم القرآن وإفهامه لغير العرب يتوقف على تدوين العلوم التي تسهل التعرف على القرآن الكريم ولأجل ذلك قاموا بعملين ضخمين في مجال فهم القرآن:
الأول: تأسيس علوم الصرف والنحو واللغة والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع وما شابهها لتسهيل التعرف على مفاهيم ومعاني القرآن الكريم أولاً، والسنة النبوية ثانيا ًوإن كانت تقع في طريق أهداف أخرى أيضاً لكن الغاية القصوى من القيام بتأسيسها وتدوينها هو فهم القرآن وإفهامه.
الثاني: وضع تفاسير في مختلف الأجيال حسب الأذواق المختلفة لاستجلاء مداليله، ومن هنا لا تجد في التاريخ الإنساني برمته مثيلاً للقرآن الكريم من حيث شدة اهتمام أتباعه به وحرصهم على ضبطه وقراءته وتجويده وتفسيره وتبيينه.
وقد ضبط تاريخ التفسير أسماء ما ينوف على ألفين ومائتي تفسير وعند المقايسة يختص ربع هذا العدد بالشيعة الإمامية(3).
هذا ما توصل إلى إحصائه المحققون من طريق الفهارس ومراجعة المكتبات عدا ما لم يقفوا عليه مما ضاع في الحوادث المؤسفة والحرائق والسرقات.
وعلى ضوء ذلك يصعب جداً الإحاطة بالمناهج التفسيرية التي نهجها المفسرون طيلة أربعة عشر قرناً حسب اختلاف بيئاتهم وقابلياتهم وأذواقهم ولا مناص من الإشارة إلى المناهج الرئيسية المتبعة في التفاسير المتداولة ولكن بعد تقديم مقدمة توضح مفهوم المنهج وتميزه عن مفهوم الاتجاه والاهتمام.


المنهج التفسيري غير الاهتمام التفسيري
وهنا ثمة نكتة قيّمة غفل عنها بعض المهتمين بتبيين المناهج التفسيرية وهي أن هناك بحثين:
الأول: البحث عن المنهج التفسيري لكل مفسر وهو تبيين طريقة كل مفسر في تفسير القرآن الكريم، والأداة والوسيلة التي يعتمد عليها لكشف الستر عن وجه الآية أو الآيات، فهل يأخذ العقل اداة للتفسير أو النقل؟ وفي الحالة الثانية هل يعتمد في تفسير القرآن على نفس القرآن أو على السنة أو غيرها وبالجملة ما يتخذه مفتاحاً لحل عقد الآيات وغلاقها وفي هذا يتركز البحث عن المنهج التفسيري وهذا هو موضوع مقالنا.
الثاني: البحث عن الاتجاهات والاهتمامات التفسيرية والمراد منها المباحث التي يهتم بها المفسر في تفسيره مهما كان منهجه وطريقته في تفسير الآيات فمثلاً تارة يتجه إلى إيضاح المادة القرآنية من حيث اللغة، وأخرى إلى صورتها العارضة عليها من حيث الإعراب والبناء، وثالثة يتجه إلى الجانب البلاغي، ورابعة يعتني بآيات الأحكام، وخامسة يصب اهتمامه على الجانب التاريخي والقصصي، وسادسة يهتم بالأبحاث الأخلاقية، وسابعة بالأبحاث الاجتماعية، وثامنة يهتم بالآيات الباحثة عن الكون وعالم الطبيعة، وتاسعة يهتم بمعارف القرآن وآياته الاعتقادية الباحثة عن المبدأ والمعاد وغيرهما، وعاشرة بالجميع حسبما أُوتي من المقدرة.
ولا شك أن التفاسير مختلفة من حيث الاتجاه والاهتمام، إما لاختلاف أذواق المفسرين وكفاءاتهم ومؤهلاتهم أو لاختلاف بيئاتهم وظروفهم أو غير ذلك من العوامل التي تسوق المفسر إلى صب اهتمامه بجانب من الجوانب المذكورة أو غيرها، ولكن البحث عن هذا لا يمت بالبحث عن المنهج التفسيري للمفسر بصلة فمن تصور أن البحث عن اختلاف الاهتمامات والاتجاهات راجع إلى البحث عن المنهج التفسيري فقد أخطأ.
وإن شئت أن تفرّق بين البحثين فنأتي بكلمة موجزة هي: أن البحث في المناهج بحث عن الطريقة والأسلوب، والبحث في الاهتمامات بحث عن الأغراض والأهداف التي يتوخاها المفسر وتكون علة غائية لقيامه بالتأليف في مجال القرآن.

________________________________________
1- كليات في علم الرجال /ص311-315.
2- لاحظ (معجم المفسرين)لعادل نويهصو(طبقات المفسرين)للحافظ شمس الدين الداوودي المتوفىعام 945 ,وما ذكرنا من الإحصاء مأخوذ من (معجم المفسؤين),كما أن ما ذكرنا أن ربع هذا العدد يختص بالشيعة مأخوذ من ملاحظة ما جاء في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) من ذكر 450 تفسيراً للشيعة.ولكن الحقيقة فوق ذلك فإن ما قام به علماء الشيعة في مجال التفسير باللغات المختلفة في العصر الحاضر لم يذكر في الذريعة ولأجل ذلك يصح أن يقال أن ثلث هذا العدد يختص بالشيعة كما أنه فات صاحب (معجم المفسرين) عدة كتب للتفسير لدى الشيعة الإمامية وإن كان تتبعه قابلاً للتقدير.
3- شرح العقائد النسفية لسعد الدين التفتازاني/ص142.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد