صدى القوافي

فارس النهر

 

في حضـرة قمر الهاشميِّين (العباس بن علي) عليهما السلام ، هو الذي وَقَفَ على (الفرات) ظامئاً.. اغترف النهرَ في يده وتذكَّر عطشَ أخيه فرماه إلى الأرض.


وَقَفْتَ علـى شطِّ الفراتِ مُعَلِّما
وسَطَّرتَ ناموسَ الأُخُوَّةِ بالظَّما
 
وعُدْتَ.. وفي عينيكَ حَطَّتْ قبيلةٌ
من الشَّـرَفِ العالـي فأَلْفَتْ لـها حِـمى
 
كأنَّكَ لم تـحملْ من الـماءِ (قِرْبَةً)
ولم تنعقدْ زنداً عليها، ومعصما
 
ولكنْ حـملتَ النهرَ من مُسْتَقِرِّهِ
وأقبلتَ في أمواجِهِ ثائرَ الدِّما
 
وما عُدْتَ تزهو بالحديدِ مُـحَزَّماً
ولكنْ بدستور الوفاءِ مُـحَزَّما
 
مشيتَ كما تـمـشـي (القصيدةُ) في الهوى
(مـجازاً) شجيًّا أو (بديعاً) مُتَيَّما
 
حسامُكَ أهدَى الأبجديَّةَ حَدَّهُ
وباللغةِ الفصحَى جوادُكَ حمحما
 
هنا فارسٌ.. سيفٌ.. حصانٌ.. وقصَّةٌ
رواها لسانُ الريحِ حتَّى تَلَعْثَما
 
هنا أنتَ تغتالُ الـمسافةَ عابراً
من النهر أو بالنهرِ تنوي (الـمُخَيَّما)
 
هنا رُحْتَ تـختطُّ المنايا قصائداً
وتكسو قوافيهنَّ لـحماً وأَعْظُما
 
هنا (القِرْبَةُ) الـحُبلَـى أراقوا جنينَها
من الـماءِ فاغتالوكَ ورداً وموسما
 
هنا دَمُكَ الـممتدُّ من وَجَعِ الثرَى
إلى نجمة الـحُبِّ الأخيرةِ في السَّما
 
ذراعاكَ منهوبانِ إلاَّ عزيمةً
تـمدُّ ذراعَيْهَا إلى الله سُلَّما

ذراعانِ ما زالا علـى كلِّ موقفٍ
يفيضانِ في مـجرَى الضمائرِ (زمزما)
 
 
(أبا الفضلِ).. وارتدَّ الصدَى مثلما الندَى
رقيقاً كأنَّ الـماءَ باسمِكَ تَـمْتَما
 
هنا روحُكَ انْصَبَّتْ (فراتاً) و(دجلةً)
وأَهْدَتْكَ للدُّنياَ (عراقاً) مُعَظَّما

وجُرْحُكَ من فرط القداسةِ لم يَزَلْ
علـى هامةِ التاريخِ جُرْحاً مُعَمَّما
 
وكلُّ ذراعٍ من ذراعيكِ كوكبٌ
تَـجَلَّـى ليمحو عن سماواتِنا العَمَى
 
أتيتُكَ للسُّقياَ .. وهذا أوانُـها..
فقد عادَتِ الذكرَى تـهزُّ (الـمُحَرَّما)
 
تَدَلَّـى علـى جفنيَّ غيمٌ من الأسَى
وألفاكَ عنوانَ الإباءِ فما هَمَى
 
ذراعايَ لو كانَتْ تليقُ بـضيغمٍ
لَـما خِلْتُها تـختارُ غيرَكَ ضيغما!
 
أَتَيتُكَ للسُّقيا ففي القلبِ صارمٌ
من العطشِ الـمسلولِ جمراً وعلقما
 
وثَمَّةَ أطفالٌ عطاشَى بداخلـي
تناديكَ: يا عَمَّاهُ.. من خيمةِ الظَّما
 
فهَبْني بياناً يستعيدُكَ معجماً
من الشِّيَمِ الكبرَى، ويـجلوكَ مَنْجِما
 
فيا طالـما اشْتَاقَتْ مدائنُ خاطري
أُقَلِّدُها أبـهَـى معانيكَ أَنْجُما
 
ولكنْ تَـخَطَّفْتَ العبارةَ من فمي
وعُدْتَ .. وهذا أنتَ تـختطفُ الفَما
 
كأنِّـيَ في نجواكَ من فرط خشعتي
أقيـمُ لنـفسـي في رحابِكَ مَأْتَـما

 

جاسم الصحيح