لقاءات

الشيخ سعود شروفنا: ليلة القدر ليلة النور والرحمة والخير

 

نسرين نجم .. 
ليلة القدر هي من أفضل الليالي، فيها تقسيم الأقدار والأرزاق، وفيها المكرمات والفضائل الكثيرة، وهي الفرصة الذهبية للإنسان ليبدأ بالتغيير نحو الأفضل، والتكفير عن ذنوبه بالتوبة، وكسر الأنانية. وللحديث أكثر عن أهمية ليلة القدر وأبعادها، كان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ القارئ سعود شروفنا.


* خيرٌ من ألف شهر:
بما أننا على أبواب ليالي القدر كان لا بدّ من سؤال يسأله الكثير منّا، ما المقصود بليلة القدر؟ يجيب سماحة الشيخ سعود شروفنا: "إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّل الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ"، بمراجعة كتب التفسير نجد أن العلماء ذكروا عدة أسباب لتسمية ليلة القدر بهذا الاسم منها :
أولًا: سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول: فلان ذو قدر عظيم أي: ذو شرف.
ثانيًا: أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام ويشهد لذلك قوله تعالى "فيها يفرق كل أمر حكيم" أي: تقدّر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة. وقيل إن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة.
ثالثًا: أن معنى  القدر: التعظيم أي أنها ليلة ذات قدر أي ليلة ذات شأن، بمعنى أن لها خصائص اختصت بها من دون الليالي، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر سُميَت بذلك لأنَّ العمل فيها له قدرٌ عظيمٌ.
 رابعًا: أن معنى  القدر التضييق، ويشهد له قوله تعالى:(وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) أي: ضيق عليه رزقه. ومن معانى التضييق فيها كما نسب ذلك القول إلى الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة.
وعن هذه الخاصية لها، والتي تم ذكرها في القرآن الكريم: "ليلة القدر خير من ألف شهر"، يقول سماحة الشيخ شروفنا: "هذه الخاصية هي نوع من أنواع التكريم الذي حبى به الله الأمة الاسلامية فأصبح ثواب العامل فيها فيها كثواب العامل في ألف شهر وهو ما يفوق 83 سنة هي مدة عمر الإنسان غالبًا،  والعدد هنا 1000 شهر إما هو للكثرة أو للحقيقة والله أعلم".


* أبعاد ليلة القدر:
كما هو معروف وشائع، أن ليالي القدر تبدأ من الليلة 19 من الشهر الفضيل وصولًا إلى ليلة القدر الكبرى، انطلاقَا من هذا سألنا سماحته، لماذا ثلاث ليال؟ أجاب سماحة الشيخ شروفنا: "تكفل بالإجابة عن سؤالكم رواية الإمام الصادق عليه السلام  قال: "التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين". إقبال الأعمال، ج1، ص150.
الكثير يتحدث عن علامات ليلة القدر. فما المقصود بالعلامات؟ وما المقصود بـــ"سلام هي حتى مطلع الفجر"؟  يرى سماحته بأن الله عزّ وجلّ قال:" ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، الآية تصف الليلة بأنّها مفعمة بالخير والسلامة والرحمة حتى الصباح. فالقرآن نزل فيها، وعبادتها تعادل عبادة ألف شهر، وفيها تنزل الخيرات والبركات، وبها يحظى العباد برحمة خاصّة، كما أنّ الملائكة والروح تتنزل فيها... فهي إذن ليلة مفعمة بالسلامة من بدايتها حتى مطلع فجرها. والرّوايات تذكر أنّ الشيطان يكبّل بالسلاسل هذه الليلة فهي ليلة سالمة مقرونة بالسلامة. وإطلاق كلمة "سلام" على هذه الليلة بمعنى "سلامة" (بدلاً من سالمة) هو نوعٌ من التأكيد كأن نقول فلانٌ عدلٌ، للتأكيد على أنّه عادل.
وقيل: إنّ إطلاق كلمة (سلام) على تلك الليلة يعني أنّ الملائكة تسلّم باستمرار على بعضها بعضاً أو على المؤمنين، أو أنّها تأتي إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته المعصوم، تسلّم عليه. ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه التفاسير. إنّها على أي حال ليلة ملؤها النور والرحمة والخير والبركة والسلامة والسعادة من كلّ الجهات. الأمثل ج 20 ص 316
ويمكن تمييز بعض العلامات عند عامة الناس من المؤمنين كالهدوء والسكينة والاعتدال المناخي وغيرها من الصفات الروحانية التي منها انشراح النفس وتهيؤها للعبادة وأمثال ذلك".
وحول الأعمال أو المستحبات الواجب القيام بها في هذه الليالي يقول سماحته: "الأعمال الخاصة والعامة كثيرة تكفلت بذكرها كتب الأدعية الشريفة ككتاب مفاتيح الجنان وغيره من الكتب. فمن الأعمال العامة وهي أحب  الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى الالتزام بالطاعات وعمل الصالحات، لذا يجب علينا أن نلتزم بها، وخاصّة في مواسم الطاعات.

ومن الأعمال الخاصة التوسل بالأئمة عليهم السلام وبالقرآن الكريم ومنها قراءة سورتي العنكبوت والرّوم، وقال الصّادق (عليه السلام) : إنّ من قرأ هاتين السّورتين في هذه اللّيلة كان من أهل الجنّة .وقراءة سورة حم دُخّان .وقراءة سورة القدر ألف مرّة.
وأن يكرّر في ليلة القدر الدعاء للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف بالفرج والنصر".
في هذه الليالي نزل القرآن الكريم، إلى أي حد تتمسكُ أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم بكتاب الله عز وجل قلبًا وقالبًا؟ يقول سماحة الشيخ سعود شروفنا: "ورد عن علي عليه السلام في وصيته قبل وفاته: (والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم ) وكأن هذه الوصية ماثلة أمامنا، فالقرآن يتلى ويحرص على زخرفته وكتابته بمياه الذهب وبأجمل الخطوط، ويحرص على تلاوته بالتجويد وأحكامه الصارمة بأعذب الأصوات التي تضارع مزامير داوود عليه السلام، ولكنهم ضيعوا حدوده وسننه وفرائضه وعمل به غيرنا، فالقرآن تجده ماثلًا ومطبقًا في التعاملات في الدول الغربية، بينما لا نجده يطبق إلا نادرًا فيطبق في جهة ويترك في جهات وهو عين ما ورد من الآية الكريمة :
قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} (البقرة:85). 
ولذلك الأمة الإسلامية في حالة ذل وهوان فهم في غفلة، نسأل الله لنا وللمسلمين الهداية والرشاد.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد