لقاءات

الشيخ عبدالمحسن البقشي: شهر رمضان فرصة ربانية وهبها الله لعباده لتجديد العهد بالسماء


نسرين نجم ..
اختصّ الله سبحانه وتعالى شهر رمضان المبارك بين الأشهر بفضائل وخصائص مميزة، فهو شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، شهر القرآن الكريم، الذي يحمل الكثير الكثير من القيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والإنسانية الراقية، حول خصائص هذا الشهر الفضيل؛ كان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ عبدالمحسن البقشي:


* الفائدة القيمية لشهر الله عزّ وجل:
يتم الحديث بشكل دائم عن القيم الأخلاقيية والاجتماعية التي يتضمنها شهر رمضان المبارك، فسألنا سماحة الشيخ عبدالمحسن البقشي عن ماهية هذه القيم فأجاب: "شهر رمضان المبارك حالة استثنائية في كل سنة وفرصة ربانية وهبها الله لعباده لتجديد العهد بالسماء، ويمكننا أن نلخص أهم القيم لهذا الشهر الفضيل في نقاط:
1- قيمة الصفاء الروحي الذي يتولد من نفس الصوم وتقليل الملاذ الدنيوية.
2- قيمة المواساة للمستضعفين والمحتاجين وخلق روح السؤولية الاجتماعية.
3- قيمة الصبر والتحمل على ترك الملذات المحللة في غير نهار شهر رمضان .
4- قيمة الأنس بالذكر والخلوة مع الله. فإن برامج شهر رمضان تعود الإنسان على الذكر وصلاة الليل وأدعية السحر ونحوها.
5- تقوية الروح الجماعية فكثير من العبادات يصح أن يؤديها المكلف بشكل فردي وفي وقت موسع كالصلاة والزكاة والأمر بالمعروف، بخلاف عبادة الصوم فالجميع يقوم بها في وقت واحد بداية ونهاية.


انطلاقًا من هذا الجواب سألناه: كيف يكون شهر رمضان المبارك انتفاضة للروح؟ وما هي الخطوات الواجب اعتمادها من قبل الشباب ليقوموا بهذه الانتفاضة؟ أجاب الشيخ البقشي: "يمكن تقسيم الخطوات لنجاح انتفاضة الروح إلى ثلاث مراحل:
1- مرحلة ما قبل شهر رمضان وتتمثل في الاستفادة من أدعية شهر رجب وشعبان والقيام بالمستحبات المخصوصة  في هذين الشهرين من الأدعية والصلوات والإكثار من الاستغفار العملي واللفظي ومن الصلاة على النبي وآله الطاهرين وغيرها من المستحبات المذكورة في كتب الأدعية كمفاتيح الجنان وغيره.
2- مرحلة نفس شهر رمضان الذي تكثر فيه المستحبات من أدعية أهل البيت المسائية والصباحية وأدعية السحر والصلوات وقراءة القرآن والجو الروحي الخاص في ليالي الإحياء وليالي القدر الثلاث وزيارات الأئمة المخصوصة في هذا الشهر، ويكفي ما ورد من أدعية لتربية النفس وإحداث الانتفاضة الروحية على مستوى الفرد والمجتمع
3- مرحلة ما بعد شهر رمضان، وهي مرحلة التثبيت للروحية التي حصل عليها خلال الشهر
والعنصر المشترك لهذه المراحل الثلاث هو عامل الدعاء فهو سلاح المؤمن كما ورد"..


في شهر رمضان المبارك يتم تعويد النفس على التغيير، فكيف يمكن الاستفادة من هذا التغيير بعد هذا الشهر؟ يرى سماحة الشيخ البقشي بأن هذا الأمر يحصل: "بالالتفات إلى  ثلاثة عناصر يمكننا المحافظة على مكتسبات شهر رمضان وهي :
الأول: وضع برنامج أدعية يومي ولو كان قصيرًا ولكن مستمرًا، فإن هذا الاستمرار يؤدي إلى أن يكون ذلك كالملكة للإنسان فيستأنس بالدعاء والمناجاة، فيجد حلاوة الذكر والأنس به، حتى لا يتمكن من تركه في تمام أحوال حياته.
الثاني: برنامج الصوم المستمر في الشهر يومًا أو أكثر على حسب القدر والطاقة، فهذا من العناصر المهمة للمحافظة على مكتسبات الشهر الفضيل .
الثالث: المداومة على قراءة القرآن الكريم ولو مقدار قليل في اليوم والليلة، فلا ينقضي يوم إلا بآيات القرآن وهذا مع المداومة عليه يحافظ على ما حصله الإنسان أثناء الشهر المبارك.


* شهر رمضان والصبر:
 في هذا الشهر تصفد الشياطين، فماذا عن شياطين الإنس؟ وكيف ذلك؟ عن هذا يجيب سماحة الشيخ البقشي: "من بركات الشهر أن تكون دواعي الخير أغلب وأقوى في نفس الإنسان من دواعي الشر، وصفد وغلّ الشياطين ليس بمعنى عدم وجود تأثير سلبي لهم، وإنما الأشارة إلى ضعفهم في التأثير لدى المؤمنين والصائمين وعلاوة على وجود تأثير للشياطين كذا وجود شياطين الإنس من أصدقاء السوء أو من فضائيات شيطانية ونحوها، مما يؤدي وظيفة الشيطان على أحسن حال (والعياذ بالله)، ويبقى على الصائم أن لا يذهب تعبه وجهده بذلك فيدقق من يصادق ومع من يتحدث وماذا يشاهد ويتابع على وسائل التواصل، فلكل ذلك أثر في انعكاس روحية الصوم على نفس الصائم".  
كما هو معروف فإن الصبر من مقومات شهر رمضان، فما أهمية هذه القيمة سيما عند الشباب؟ وكيف يمكن أن ننال هذه الصفة الراقية؟ يرى سماحته بأن: "الصبر من أهم المكاسب الرمضانية وهي من الصفات التي أمر الله بالتواصي بها (وتواصو بالصبر) وكذلك وعدنا الله بالبشرى (وبشر الصابرين)، والكثير من الآيات والروايات تؤكد أهمية الصبر كما هو صفة لتحمل مشاق الحياة، فالمرء الذي يتعود على الصبر نجده يصل للهدف الذي يصبو إليه بخلاف المؤمن الضعيف.

فالصبر يعني الشجاعة والقدرة على التحمل والوصول للأهداف والنصر وغلبة العدو الداخلي والخارجي ويعني الفوز . وأما نيل هذه الصفة فمن خلال الالتفات إلى أهميتها وضرورتها في النجاح وكذا تعويد النفس على الصعوبات بالتدرج، لأن النفس كالعضلة فإذا وضع الإنسان برنامج لتقوية عضلات جسمه يحتاج إلى رياضة منتظمة كذلك تقوية الإرادة والصبر يحتاج إلى برنامج لتقوية عضلات الروح والعزم".
حُكي الكثير عن هجر الشباب لفريضة الصيام، فهل هذا الأمر الصحيح؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ يرى سماحة الشيخ بأن هذا الأمر: "يختلف من بلد لآخر وبشكل عام هناك التزام بهذه الفريضة، ولكن على تقدير وجود ضعف عند بعض شبابنا، فذلك نتيجة الأهمال بالتربية الدينية التي يتحمل الوالدين والمدرسة والمسجد والأصدقاء، فمن المؤكد لو أن الشاب يعيش في بيئة مشجعة ومشوقة على الطاعات، لانجذب إلى ذلك لأن نفس روحية الشاب تتوق إلى المعنويات والروحية فالواجب تهيئة الأجواء الروحية والمعنوية في البيت والمدرسة والمسجد والحسينية مع التأكيد على عنصر الجذب المحبب والتشويق المعنوي".


* شهر رمضان شهر القرآن:
شهر رمضان ربيع القرآن وشهر الأدعية. فما أهمية تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأدعية المباركة في هذا الشهر؟ يجيب سماحته: "تلاوة القرآن فقد اقترنت بشهر رمضان حتى غدا شهر رمضان ربيع القرآن، وقراءة آية من القرآن في شهر رمضان تعادل أضعافها في غيره من الشهور، فهو كلام الله يقرأ في شهر الله والفوائد المعنوية التي يحصلها أضعافًا، لأن المقتضي وأبواب الرحمة مفتحة فيكون تأثير القرآن أقوى في شهر رمضان، مضافًا إلى أن الموتى ينتظرون هدايا الشهر وفيوضاته عليهم من أقربائهم وذويهم وهذا من صلة الأرحام التي هي معلقة بالعرش تنادي اللهم صل من وصلني وأقطع من قطعني .
وأما الدعاء في شهر رمضان فهو السمة الغالبة، فبمراجعة أي كتاب في الأدعية مثل مفاتيج الجنان، نجد أن مدرسة أهل البيت (ع) كثفت الدعاء خلال الشهر الفضيل ابتداءً من دعاء رؤية هلال الشهر إلى النهارية والمسائية وأدعية السحر، وأدعية ما بعد الفرائض وأدعية الأيام. والتأمل في مضامين الأدعية يُعطي للإنسان الروحية الشفافة التي تساعده على تجاوز عقبات ووعرة الطريق طوال السنة، فنجد تنوع الأدعية المشتملة على الاستغفار والتوبة وطلب الرحمة والتوفيق لأداء الفرائض كالحج والعتق من النار وفكاك رقابنا من العذاب، وهذا التنوع له بعد تربوي على الإنسان لأنه مدرسة أخلاقية متنوعة للملاكات والصفات الحميدة".
بالحديث عن الدعاء وأهميته، يقال الدعاء هو سلاح المؤمن فكيف ذلك؟ يرى سماحته بأن: "الدعاء ارتباط بمصدر الفيوضات وبالله القوي العزيز فكيف لا يكون سلاحًا للمؤمن، وهو كذلك ولكن بشرطها وشروطها، ومن أهم شروطها الدعاء بروح الخضوع والعبودية والانكسار فإن الله عند القلوب المنكسرة، فإذا انكسر القلب ورقة العين أصبح الدعاء سلاحًا للمؤمن لارتباطه بالله فهو سلاح على كل شر سواء كان مصدره ذات الإنسان أو الوسوسة والشيطان، والتعبير بالسلاح للمشابهة التي يحققها الدعاء من الدفاع عن الإنسان في خضم معارك الدنيا وملاذها وكذا الارتقاء والمحافظة على النفس والروح".


وبالنسبة إلى نصائحه وتوجيهاته للشباب المسلم خاصة في أيامنا هذه التي نشهد فيها المغريات والماديات تعصف بنا من كل حدب وصوب، يقول سماحته: "من أهم ما ننصح به شبابنا الأعزاء هو التحلي بالبصيرة النافذة، والقدرة على معرفة العدو والصديق من خلال تكثيف القراءة الواعية في جوانب المعارف والعلوم الشرعية والإنسانية، وكذلك كسب المهارات اللازمة لعالمنا المعاصر، فليس من الصحيح تقدم أهل الكفر على المؤمنين حتى في المجالات الدنيوية، فنصيحتي تتلخص في:
- القراءة الواعية والممنهجة والمتنوعة.
- كسب المهارات والفنون الحديثة.
- العمل على توعية الجيل وخلق روح البصيرة الجماعية.
- التعلق بالله وذكره والتعلق بالقرآن وبأهل البيت (ع) وأدعيتهم ففي ذلك الخير الكثير".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد