علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الاتصاف (2)


الدكتور عبد الهادي الفضلي ..
ب - قول الاشاعرة:
وهو : أن صفاته تعالى معان أزلية قائمة بذات اللّه تعالى.
قال أبو الحسن الأشعري: «الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة.... وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى».
وقالوا:
لا يقال: هي هو .
ولا: هي غيره.
ولا: لا هو.
ولا: لا غيره.
بمعنى أنه لا يصح أن يقال:
الصفة هي الذات، ولا لا هي الذات.
ولا هي غير الذات، ولا لا هي غير الذات.
واستدلوا لذلك:
1 - أن مفهوم كونه عالماً هو عين ذاته - كما يقول الآخرون - يلزم منه حمل الشيء على نفسه، وهو باطل. وإذا بطل كون الصفة عين الذات ثبت أنها معنى زائد على الذات.
2 - لو كان العلم عين الذات، والقدرة عين الذات - كما يقول الآخرون – يلزم منه أن يكون مفهوم العلم ومفهوم القدرة واحداً، وهو ضروري البطلان.
وبثبوت بطلانه تثبت صحة رأينا. والموازنة بين القولين تسلمنا إلى التالي:
1 - تقدير الأشاعرة بأن الصفة ليست هي الذات ولا هي غير الذات أمر لا يعقل ولا يتصور ذهنياً.
وما لا يتصور لا يمكن الحكم عليه، لأنه لا بد من أن يُسبق التصديق بالتصور.
2 - أن دليل الأشاعرة الأول لا يفيد - كما يقول الأيجي - إلا زيادة هذا المفهوم على مفهوم الذات.
وأما زيادة ما صدق عليه هذا المفهوم على حقيقة الذات فلا. نعم. لو تُصورا بحقيقتهما وأمكن حمل أحدهما دون الآخر حصل المطلوب.


ولكن أنّى ذلك؟.
3 - أن الدليل الثاني للأشعرية ينسق على دليلهم الأول تقريراً وإيراداً.
4 - رد الأيجي دليل الحكماء الأول بقوله : «إن العالمية عندنا ليست أمراً وراء قيام العلم به، فيحكم عليه بأنها واجبة».
وهو - كما ترى - لم يزد فيه إلا ترديد المدّعي.
5 - ورد الأيجي دليل الحكماء الثاني بقوله : «إن أردتم باستكماله بالغير ثبوت صفة الكمال فهو جائز عندنا، وهو المتنازع فيه، وإن أردتم غيره فصوروه وبينوا لزومه».
وهو كسابقه لا يعدو كونه ترديداً للمدّعي.
6 - وأورد السيد الطباطبائي على قول الأشاعرة بما قرره من «أن هذه الصفات - وهي على ما عدّوها : الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والإرادة والكلام - إما أن تكون معلولة أو غير معلولة لشيء.
فإن لم تكن معلولة لشيء، وكانت موجودة في نفسها واجبة في ذاتها، كانت هناك واجبات ثمان، وهي الذات والصفات السبع.


وأدلة وحدانية الواجب تبطله.
وإن كانت معلولة، فأما أن تكون معلولة لغير الذات المتصفة بها، أو معلولة لها.
وعلى الأول : كانت واجبة بالغير، وينتهي وجوبها بالغير إلى واجب بالذات غير الواجب بالذات الموصوف بها.
وأدلة وحدانية الواجب تبطله كالشق السابق. على أن فيه حاجة الواجب الوجود لذاته في اتصافه بصفات كماله إلى غيره، وهو محال.
وعلى الثاني : يلزم كون الذات المفيضة لها متقدمة عليها بالعلية، وهي فاقدة لما تعطيه من الكمال، وهو محال.
على أن فيه فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال، وقد تقدم أنه صرف الوجود الذي لا يشذ عنه وجود ولا كمال وجودي.. هذا خلف».
ويحاول الشهرستاني أن يربط بين قول الأشاعرة وما قاله نسطور الحكيم من «أن اللّه تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة : الوجود والعلم والحياة، وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولا هي هو».


والخلاصة :
أننا لا بد لنا بعد هذا من القول بأن الصفات عين الذات، لئلا نقع فيما يتنافى وأصل التوحيد.
ونعني بعينية الصفة نفي الاثنينية بمعنى أنه لا يوجد في عالم المصداق موصوف وصفة، وإنما الموجود ذاته فقط.
كما نعني بها نفي الغيرية بمعنى أن الصفة ليست غير الموصوف لأن الغيرية تستلزم الاثنينية، تعالى اللّه عن ذلك وتقدس.
والمعنى المذكور مستفاد من قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله».
وعن محمد بن عرفة قال : قلت للرضا (عليه السلام) : خلق اللّه الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟
فقال : لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة، لأنك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة، فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك.
وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة، فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة.
ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره، بل هو قادر بذاته لا بالقدرة».
وعلق عليه الشيخ الصدوق بقوله : «إذا قلنا : إن اللّه لم يزل قادراً، فإنما نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شيء معه، لأنه عز وجل لم يزل واحداً لا شيء معه».
وقد لا نستطيع أن نعبر عن المعنى الذي ينبغي أن يقال هنا بوضوح تام، وذلك لضيق نطاق الألفاظ الموضوعة سواء في اللغة أو في الاصطلاح عن استيعاب وأداء المعنى المراد.

وما أروع ما جاء في هذا عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال : «الحمد للّه الواحد الأحد الصمد، المتفرد، الذي لا من شيء كان، ولا من شيء خلق ما كان، قدرة بان بها عن الأشياء، وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال، ولا حدّ يضرب له الأمثال، كلَّ دون صفاته تعبير اللغات، وضل هناك تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد