مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

المسلم في حياة الإمام علي (عليه السلام) (1)


الشيخ عبد الهادي الفضلي ..
من طبيعة الإسلام ومن واقع مفاهيمه النَّقية الأصيلة، ومن طابع نظرته إلى الكون والحياة والإنسان، نستطيع أن نبلور مفهوم (الإنسان المسلم) في أسلم تعاريفه، وفي ألصق خصائصه ومميزاته، وفي أركز عناصره، وأعمق محتوياته بأنَّه:
ذلك الإنسان الذي صِيغ وكوّنت شخصيته على ضوء تعاليم الإسلام وهديه.. فكرة إسلامية، وعاطفة إسلامية، وسلوك إسلامي، متى توفرت هذه العناصر:
(الفكرة الإسلامية) حيث تملأ الذهنية في إطارها وتفكيرها، و(العاطفة الإسلامية) تملأ النفسية في أحاسيسها وانفعالاتها، و(السلوك الإسلامي) حيث يصدر منهجاً وفق تعاليم الإسلام وتوجيهاته.
متى توفّرت هذه العناصر أصيلة وخالصة كوّنت الشخصية الإسلامية وأعطتها خصائصها، وصاغت الإنسان المسلم في إطاره ومحتوياته.
ونستطيع أن نفهم في ضوء هذا التعريف أنَّ الإنسان المسلم: هو الذي يحكّم الإسلام عقيدة ونظاماً في جميع حياته فردية واجتماعية، وفي كل مجالاتها، ومختلف مناحيها؛ لأنَّ الإسلام حسب مفاهيمنا ـ لا حسب المفاهيم الغربية السَّائدة، والتي لا نزال نعاني من رواسبها ـ عقيدة ونظام، دين وحياة، مبدأ ودولة؛ فيه النظام الاقتصادي، وفيه النظام السياسي، وفيه النظام الاجتماعي بمعنييه الخاص والعام؛ ولأنَّ الإسلام ـ في هذا الواقع الإنساني الرَّفيع ـ يدفع المسلم دفعًا إلى تنظيم الحياة على هديه، وفي ضوء تعاليمه، وإلى تطبيقه في كل مجالات الحياة: في الفرد والأسرة، وفي المجتمع والدولة.
فالمسلم حركة تجسّد الفكرة الإسلامية، والعاطفة الإسلامية، والسلوك الإسلامي، في ذات كيانه الفردي، وفي ذات كيانه الاجتماعي.
والمسلم حركة، تحاول أن تجعل من البشرية كلّها أمة واحدة تعمل بالإسلام، ومجتمعاً عالمياً واحداً، تصمم وتشاد بنيته على مبادئ الإسلام وأحكامه؛ لأنَّ الإسلام هو الإنسانية، هو خيرها وسعادتها، والمسلم يحب لغيره ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، وهو خليفة الله في أرضه، وحامل رسالته إلى الناس كافة ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
والمسلم وعي وتضحية؛ يعي بكيانه كفرد، ويعي كيانه كأمَّة، ويعتقد أنَّ مصلحة الإسلام العليا فوق كل شيء، فوق النفس متى تطلبتها التضحية من أجل إسناد وتقويم كيان الإسلام كمبدأ، وكيان المسلمين كأمة.
من هذا التَّعريف لمفهوم المسلم ننطلق لنتعرف عليه في تاريخ حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
كانت حياة الإمام (عليه السلام) كياناً إسلامياً خالصاً، تمثِّل النَّموذج الكامل المتكامل للإنسان المسلم، وهذا ما نلمسه في كل ظواهر حياته (عليه السلام).. وربما كان أروعها: حياته حينما كان حاكماً عاماً، يرأس الدَّولة الإسلاميِّة، ويتزعَّم الأمة المسلمة.
كان (عليه السلام) لشدَّة إخلاصه إلى الإسلام والمسلمين يمارس السلطات الثلاث بنفسه مباشرة وتوجيهاً، ومراقبة دقيقة، ومحاسبة تامَّة للمسؤولين عنها من قبله في الدولة، اسمعه يخاطب أبناء عصره وأمته:
((قد ركزت فيكم راية الإيمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي))..
(وَاللهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً إِلاَّ وَهَا أَنَا ذَا الْيَوْمَ مُسْمِعُكُمُوهُ).
(وَلَيْسَ رَجُلٌ ـ فَاعْلَمْ ـ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّد ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ ـ وَأُلْفَتِهَا مِنِّي، أَبْتَغِي بِذلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ، وَكَرَمَ الْمَآبِ).
(وَإِنِّي لَمِنْ قَوْم لاَ تَأخُذُهُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم، سِيَماهُمْ سِيَما الصِّدِّيقِينَ، وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الأبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّيْلِ، وَمَنَارُ النَّهَارِ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ، يُحْيُونَ سُنَنَ اللهِ وسُنَنَ رَسُولِهِ، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَلاَيَعْلُونَ، وَلاَيَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ، وَأَجْسَادُهُمْ في الْعَمَلِ)
ونلمس عدله الاجتماعي، وتطبيقه نظام الحكم على نفسه وعلى الرعية تمام التطبيق، في بعض ما نقله التأريخ من تراثنا الحضاري، أمثال: إطفائه شمعة بيت المال حينما جاء بعض المسلمين في بعض شأنه، وإحمائه الحديدة لأخيه عقيل حينما استماحه من برّ المسلمين صاعاً.

ونلمسها في مشاركته الوجدانية التي لم نرها عند غير علي (عليه السلام)، بمساواته في المعيشة والحياة الاقتصادية أقلّ فقير من أبناء الأمة، والتي يفلسفها ويصورها بأقواله المأثورة عنه، أمثال قوله: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ)، وقوله: (وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ.
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد