الشيخ جعفر السبحاني
تعرض القرآن لقضيّة المباهلة ، في الآية التالية : قال سبحانه : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (١).
قال الزمخشري في تفسير الآية : لمّا دعاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر، فلمّا تخالوا قالوا للعاقد ـ وكان ذا رأيهم ـ : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلّا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله، وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها. وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم ! رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: «فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم» فأبوا، قال: «فإنّي أُناجزكم» فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كلّ عام ألفي حلة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، قال: «والذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا».
ثمّ قال الزمخشري: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلّا ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه، وأمّا ضمّ الأبناء والنساء، فلأجل أنّ ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده، وأحبّ الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة، وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل، ومن ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمّون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق (۲).
إنّ معجزة النبي ـ وهي حلول العذاب على نصارى نجران ـ وإن لم تتحقّق بسبب انصراف النصارى عن المباهلة، إلّا أنّ ذهاب الرسول إلى المباهلة واستعداده لذلك من جانب، وانسحاب نصارى نجران من الدخول مع الرسول في هذا التباهل من جانب آخر، يكشفان عن أنّ حلول العذاب كان حتميّاً لو تباهلوا، فقد أدركوا الخطر وأحسّوا بخطورة الموقف، فاستعدّوا للمصالحة والتنازل.
ـــــــــ
۱. آل عمران : ٦١.
۲. الكشاف : ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ « بتلخيص يسير » ولاحظ مجمع البيان : ١ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣.
عدنان الحاجي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
زكي السالم: الموهبة بين الظّنّ فيها والضّنّ بها
هم ليس هم
الامتنان في الأوقات العصبية يعود بالنّفع على الممتنّ نفسه
(م ق ج) جديد الكاتب يوسف أحمد الحسن
جسد على حبل غسيل
العدد السّابع والثّلاثون من مجلّة الاستغراب
كلمة موجزة حول الجمال
سعة الصدر
معنى الإمامة في قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماماً)؟
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾