من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

فدك وأئمة الهدى (عليهم السلام)

من المسائل المُلفتة للنظر هي عدم تدخل أي من الأئمة (بعد الغصب الأَوّل) في أمر فدك، ابتداءً من أمير المؤمنين (عليه السلام) ومروراً بالأئمة من وُلده، بل إنّ بعض الخلفاء من أمثال (عمر بن عبد العزيز) و (المأمون) اقترحوا ردّها على واحد من أئمة أهل البيت (عليه السلام)، وكان ذلك مدعاةً للحيرة والتساؤل عن سبب موقفهم هذا من فدك.

 

لِمَ لم يُرجع علي الحق إلى أهله عندما كانت الدولة الإسلامية تحت سيطرته؟ أو لماذا (على سبيل المثال) لم يعطِ المأمون فدكاً إلى عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، خصوصاً وأنّه كان يظهر للإمام حبه العميق؟ ولماذا أعطاها لبعض من حَفَدة زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) باعتباره ممثلاً عن (بني هاشم)؟.

 

ونقول في الإجابة على هذا السؤال التاريخي المهم:

 

أمّا بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنّه أفصح عن رأيه في أمرها في قوله المختصر الغزير المعنى، والذي قال فيه: (بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا...) (1).

 

بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام ) بصورة عملية، أنّ مطالبته بفدك لم تكن لكونها منبعاً ومصدراً اقتصادياً يسترزق منه، وأنّ هو وزوجته طالبا بها يوماً؛ فلأنّها سبيل إلى تثبيت مسألة الولاية، ومنع خطوط الانحراف من السيطرة على منصب خلافة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، الآن وبعد أن مضى ما مضى، وبعد أن بقى لفدك جانبها المادي فقط، فما فائدة استردادها؟

 

وللعالم والمحقّق الكبير السيد المرتضى كلام قيّم بهذا الشأن حيث يقول: (لمّا آلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب، كُلِّم في رد فدك فقال: إنّي لأستحي أن أرُدَّ شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر) (2).

 

إنّ هذا القول الحكيم يشير في الحقيقة إلى شهامة، وعدم اعتناء الأمير (عليه السلام) بفدك كونها ثروةً مادية، ومصدر رزق من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يعرّف غاصبي الحق الأوائل.

 

أمّا لماذا لم يسلّم الخلفاء الذين أظهروا ودّهم لآل بيت النبوة (صلّى الله عليه وآله) فدك إلى الأئمة، ودفعوها إلى أحد أحفاد زيد بن علي مثلاً، أو أشخاصاً غير معروفين باعتبارهم ممثّلين لبني فاطمة (عليها السلام)؟ فإنّه يمكن أن يكون لهذا الأمر سببان:

 

1- لم يكن أئمة الهدى (عليهم السلام) ليتقبّلوا فدكاً، فحينها كان لذلك العمل بعداً مادياً يطغى على بعده المعنوي، وربّما كان يُحمل على أنّه تعلق بثروة دنيوية لا معنوية.

 

بتعبير آخر فإنّ تسلّم الأئمة (عليه السلام) لها في تلك الظروف يقلّل من شأنهم، إضافةً إلى أنّ ذلك سيمنعهم من القيام على خلفاء الجور، فكلما أرادوا مجاهدة الحكام انتزعت منهم فدك، (وهذا نفس ما رواه التاريخ، من أنّ الخليفة العباسي (أبو جعفر) انتزع فدك من (بني الحسن)؛ عندما ثار بعضهم عليه).

 

2- من ناحية أخرى كان الخلفاء يفضّلون عدم تطور إمكانات الأئمة (عليهم السلام) المادية، فكما هو معروف في قصة (هارون الرشيد)، عند مجيئه للمدينة واحترامه الشديد للإمام (موسى بن جعفر) (عليه السلام)، بشكل أذهل ذلك ابنه المأمون.

 

ولكن عندما حان وقت الهدايا، أرسل الرشيد هديةً متواضعةً للإمام (عليه السلام)، فتعجب المأمون من ذلك، وعندما سأل أباه عن السبب، قال الرشيد: (أسكت لا أمّ لك! فإنّي لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمِئة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم) (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. نهج البلاغة، الرسالة 45.

2. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج16، ص 252.

3. الاحتجاج الطبرسي، ص 167 ( وكان الرّشيد قد أعطى لغير الأمام خمسة آلاف دينار، وأعطى للإمام مِئتي دينار فقط ).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد