جاء في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة القول: "وسبي أهلك كالعبيد وصفدوا بالحديد، تلفح وجوههن حر الهاجرات، يطاف بهن في البراري والفلوات".
وصول آثار المعركة إلى الكوفة في مداه الاجتماعي كان على مرحلتين، الأولى في مساء يوم العاشر عندما حمل خِولّى بن يزيد الأصبحي ورافقه حميد بن مسلم الأزدي، بأمر قائد الجيش الأموي عمر بن سعد رأس الحسين عليه السلام لإيصاله إلى قصر الإمارة لبيان انتهاء المعركة و(الفتح) الذي حققه ابن زياد، وبالرغم من قرب المسافة بين الكوفة وكربلاء حيث لا تزيد عن ثمانين كيلومتراً، وهي مسافة يقطعها الفارس المتعجل في أقل من ثلاث ساعات ربما، ولا ريب أن الأصبحي كان متعجلاً على استلام جائزته، إلا أنه لم يتيسر له الوصول إلى قصر الإمارة في وقت مناسب حيث وصل بعد الغروب، وكان مهمًّا لديه أن يكون هو حامل الرأس والداخل على ابن زياد فلم يشأ - والحال هذه - أن يعطي الرأس مثلاً للحراس ليوصلوه إلى ابن زياد فتضيع بذلك جائزته.
وقد نقل حميد بن مسلم إلى تاريخ العاشر عصراً ما جرى، ثم ذهب برفقة خِولّى، وبالرغم من أن حميداً قد نقل أن القصر كان مغلقاً ونقل ما جرى بين خِولّى وزوجتيه إلا أنه لم يتعرض إلى ذكر دوره الخاص في هذه العملية، وهل رافق خِولّى في اليوم التالي للقاء ابن زياد أو لم يفعل؟ وهل أعطي شيئاً أم لا؟ كل هذا لا نجد له أثراً، ويحتاج الأمر إلى دراسة في كيفية كتابة حميد بن مسلم الأزدي حوادث الواقعة بدراسة نقدية فاحصة، ويظهر من بعض كلماته أنه كان مرسلاً من عمر بن سعد لمهمة أن يخبرهم بأنه بعافية وسلامة فقط كما نقل ذلك عنه الطبري في قوله " فسرحني إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك".
مواقف الكوفة المختلفة في تلقي الخبر والسبايا:
أرى مناسبًا التذكير بقضيتين ربما تكونان واضحتين عند البعض وتخفيان على آخرين، الأولى: التعريف لكلمة سبايا، والثانية كيف يجتمع قول الإمام الحسين عليه السلام لهن بأن الله حافظكن وحاميكن ومع ذلك تم سبيهن في البلدان؟
بالنسبة للقضية الأولى فإن كلمة سبية (كما ينقل في بلاد الشام) هي من الشناعة في المعنى بحيث لا يقبلون أن تطلق على نساء أهل البيت أنهن سبايا أو أن يعبر عنهن بركب السبايا وكأن السبية تعني المنتهكة من الناحية الجنسية، بحيث أصبح هذا يعني هذا، وهذا ما طبقه دواعش العصر على بعض من أسرنهن من نساء مخالفيهم.
إلا أن التعبير عن أسارى آل البيت بالسبايا موجود في النصوص، وهو حاصل بمعنى الأسر والضرب والايذاء والتسفير من بلد إلى بلد على رغم إرادتهن، دون المعنى الآخر الذي يتوافق أحياناً مع الخدمة والامتهان، فضلاً عن الاستغلال الجنسي والاعتداء على الأعراض.
ففي خطبة السيدة زينب عليها السلام - وهي العارفة بشؤون الكلام والدقيقة في استعماله - قالت: (أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن يستشرفهن أهل المناهل والمناقل...). ولعلنا نلاحظ أن العقيلة زينب حين أكدت على هذه اللفظة من جهة وشرحتها بالتفصيل بجمل بعدها لكي يتبين حدود ذلك السبي: (هتكت ستورهن وأبديت وجوههن..الخ) لكنها في موضع آخر عندما أراد شامي أخذ فاطمة بنت الحسين (أو بنت علي) للخدمة والامتهان رفضت بقوة وقالت: ما ذلك لك، وعندما رد عليها يزيد بأنه لو شاء لفعل، قالت: لا، إلا أن تدين بغير ديننا.
وهذه الأسطر الأخيرة توضح جواب القضية الثانية، فإنه عليه السلام لم يقصد أنه لن تتعرض النساء لأي نوع من الأذى فإن هذا لا يحصل حتى والإنسان في بيته، فكيف إذا كان قد جاء إلى معركة وسيصطلي نارها وآثارها، فمن الطبيعي أنهن عندما يسبين سيتعرضن إلى ما ذكرته العقيلة في خطبتها وشرحته، لكن دون الحدود التي ذكرناها من كلامها مع يزيد والشامي.
كانت هذه مقدمة كي لا يعترض على ما قد يرد من تعبير ركب السبايا أو ما شابهه.
نرجع القول إلى رصد مواقف في المجتمع الكوفي، وسيواجهنا نوع من الغموض في تشكيل صورة عامة عنه، لكن لا يمنع ذلك من اقتناص صور متفرقة قد تشكل بمجموعها صورة مناسبة.
فأول ما نلحظ هو وجود ردود فعل فردية عائلية؟ قامت بها نساء مقاتلين في الجيش الأموي تنكرن لفعل أزواجهن.. وهذا هو الموقف الطبيعي الذي لا يحتاج إلى بيئة خاصة ولا ترتيب اجتماع ولا غيره، وإنما عندما استخبرت هذه النساء فإن قسماً منهن اعترضن ورفضن فعل أزواجهن بل قررن الانفصال عنهم منذ تلك اللحظة، ورأين أن الحياة معهم لا تطاق..
الاحتجاجات الفردية الصاخبة
الصدمة الكبيرة التي وجهها الأمويون بقتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه بتلك الصورة الشنيعة، وبسبي نسائه فيما بعد، والتي جعلت أهل الكوفة سكارى حيارى، لا هم مصدقون ولا مكذبون، ولا قادرون على التحرك، بل ولا على الاستيعاب، لم تمنع بعض أصحاب البصائر من الاعتراض الصريح وتمزيق ستار الصمت والخذلان، عندما قام عبد الله بن عفيف الأزدي وهو كفيف البصر (وهذا يعني أن لديه من المبررات الخاصة بل ومن عذر الناس له ما يكفيه لو كان يبحث عن مبرر وعذر، لكنه بعدما سمع (خطبة النصر) كما أرادها ابن زياد، حولها عبد الله بن عفيف إلى فضيحة أمام الناس.
"فصعد المنبر ابن زياد فقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثم أحد بنى والبة وكان من شيعة علي كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي، فلما كان يوم صفين ضُرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، قال: فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابن مرجانة إن الكذاب بن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين! فقال ابن زياد: عليّ به قال فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال: فنادى بشعار الأزد يا مبرور، قال: وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس، فقال: ويح غيرك أهلكت نفسك وأهلكت قومك، قال: وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل، قال، فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمر بصلبه في السبخة فصلب هنالك".
ويظهر من بعض المصادر التاريخية أن حركة الأزدي كادت أن تتحول إلى صراع قبلي بين المضريين وبين اليمانيين الذين زج بهم ابن زياد للقبض عليه كما هي عادة السلطة الأموية في ضرب فئة بأخرى لتثبت كل من الفئتين إخلاصها للسلطة، وربما ولى بعض قادة هذه الفئة تلك لخلط الأمور، فلما أرادوا القبض على ابن عفيف بلغ ذلك الأزد فاجتمعوا، واجتمع معهم أيضاً قبائل اليمن ليمنعوا عن صاحبهم عبد الله بن عفيف، وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث وأمره بقتال القوم.
قال: فأقبلت قبائل مضر نحو اليمن ودنت منهم اليمن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى أصحابه يؤنبهم، فأرسل إليه عمرو بن الحجاج يخبره باجتماع اليمن عليهم، قال: وبعث إليه شبث بن الربعي: أيها الأمير إنك قد بعثتنا إلى أسود الآجام فلا تعجل، قال: واشتد قتال القوم حتى قتل جماعة منهم من العرب، قال: ودخل أصحاب ابن زياد إلى دار ابن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه، فصاحت به ابنته: يا أبت أتاك القوم من حيث لا تحتسب، فقال: لا عليك يا ابنتي ناوليني السيف، قال: فناولته فأخذه وجعل يذب عن نفسه وهو يقول:
أنا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر
عفيف شيخي وابن أم عامر
كم دارع من جمعهم وحاسر
وبطل جندلته مغادر
قال: وجعلت ابنته تقول: يا ليتني كنت رجلاً فأقاتل بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة. قال: وجعل القوم يدورون عليه من خلفه وعن يمينه، وعن شماله وهو يذب عن نفسه بسيفه، وليس يقدر أحد أن يتقدم إليه، قال: وتكاثروا عليه من كل ناحية حتى أخذوه، فقال جندب بن عبد الله الأزدي، إنا لله وإنا إليه راجعون أخذوا والله عبد الله بن عفيف فقبح والله العيش من بعده، قال: ثم أتي به حتى أدخل على عبيد الله بن زياد، فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك، فقال له عبد الله بن عفيف: يا عدو الله بهذا أخزاني، والله لو فرج الله لي عن بصري لضاق عليك موردي ومصدري، قال فقال ابن زياد: يا عدو نفسه ما تقول في عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ فقال: يا بن عبد بني علاج! يا بن مرجانة وسمية ما أنت وعثمان بن عفان؟ عثمان أساء أم أحسن وأصلح أم أفسد، الله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بين خلقه وبين عثمان بن عفان بالعدل والحق، ولكن سلني عن أبيك وعن يزيد وأبيه، فقال ابن زياد: والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت، فقال عبد الله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين أما إني كنت أسأل ربي عزو جل أن يرزقني الشهادة والآن فالحمد لله الذي رزقني إياها بعد الإياس منها وعرفني الإجابة منه لي في قديم دعائي، فقال ابن زياد: اضربوا عنقه فضربت رقبته وصلب - رحمة الله عليه.
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (4)
هكذا بلّغت زينب (ع) رسالة عاشوراء
السجَّاد (ع) هو مَن دفن الحسين (ع) (1)
قافلة السبايا في الكوفة بعد كربلاء (1)
الصّلاة برأس مقطوع
سجود القيد في محراب العشق
السلام على ابن سدرة المنتهى
هل هناك نوع من المياه المعبّأة أفضل من غيره؟
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (3)
الملاّ أحمد الخميس في ذمّة الله تعالى