ذكر الحكماء: أن ما يسمى عند الناس قولاً وكلامًا وهو نقل الإنسان المتكلم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلفة موضوعة لمعنى، فإذا قرع سمع المخاطب أو السامع نقل المعنى الموضوع له الذي في ذهن المتكلم إلى ذهن المخاطب أو السامع، فحصل بذلك الغرض منه وهو التفهيم والتفهم، قالوا: وحقيقة الكلام متقومة بما يدل على معنى خفي مضمر، وأما بقية الخصوصيات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم، وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعًا لا أزيد عددًا أو أقل مما ركبت عليه أسماعنا، فهذه خصوصيات تابعة للمصاديق وليست بدخيلة في حقيقة المعنى الذي يتقوم بها الكلام.
فالكلام اللفظي الموضوع الدال على ما في الضمير كلام، وكذا الإشارة الوافية لآرائه المعنى كلام كما أن إشارتك بيدك: أن اقعد أو تعال ونحو ذلك أمر وقول، وكذا الوجودات الخارجية لما كانت معلولة لعللها، ووجود المعلول لمسانخته وجود علته وكونه رابطًا متنزلًا له يحكي بوجوده وجود علته، ويدل بذاته على خصوصيات ذات علته الكاملة في نفسها لولا دلالة المعلول عليها.
فكل معلول بخصوصيات وجوده كلام لعلته تتكلم به عن نفسها وكمالاتها، ومجموع تلك الخصوصيات بطور اللف كلمة من كلمات علته، فكل واحد من الموجودات بما أن وجوده مثال لكمال علته الفياضة، وكل مجموع منها، ومجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه يتكلم به، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته، فكما أنه تعالى خالق للعالم والعالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم مظهر به خبايا الأسماء والصفات والعالم كلامه.
بل الدقة في معنى الدلالة على المعنى يوجب القول بكون الذات بنفسه دالًّا على نفسه، فإن الدلالة بالآخرة شأن وجودي ليس ولا يكون لشيء بنحو الأصالة إلا لله وبالله سبحانه، فكل شيء دلالته على بارئه وموجده فرع دلالة ما منه على نفسه ودلالته لله سبحانه هو الدال على نفس هذا الشيء الدال، وعلى دلالته لغيره.
فهو سبحانه هو الدال على ذاته بذاته وهو الدال على جميع مصنوعاته، فيصدق على مرتبة الذات الكلام كما يصدق على مرتبة الفعل الكلام بالتقريب المتقدم، فقد تحصل بهذا البيان أن من الكلام ما هو صفة وهو الذات وهو الذات من حيث دلالته على الذات، ومنه ما هو صفة الفعل، وهو الخلق والإيجاد من حيث دلالة الموجود على ما عند موجده من الكمال.
أقول: ما نقلنا على تقدير صحته لا يساعد عليه اللفظ اللغوي، فإن الذي أثبته الكتاب والسنة هو أمثال قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة : 253] وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء : 164] وقوله: (قال الله يا عيسى)، وقوله: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ} [البقرة : 35] وقوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء : 163] وقوله: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم : 3] ومن المعلوم أن الكلام والقول بمعنى عين الذات لا ينطبق على شيء من هذه الموارد.
واعلم أن بحث الكلام من أقدم الأبحاث العلمية التي اشتغلت به الباحثون من المسلمين (وبذلك سمي علم الكلام به) وهي أن كلام الله سبحانه هل هو قديم أو حادث؟
ذهبت الأشاعرة إلى القدم غير أنهم فسروا الكلام بأن المراد بالكلام هو المعاني الذهنية التي يدل عليه الكلام اللفظي، وتلك المعاني علوم الله سبحانه قائمة بذاته قديمة بقدمها، وأما الكلام اللفظي وهو الأصوات والنغمات فهي حادثة زائدة على الذات بالضرورة.
وذهبت المعتزلة إلى الحدوث غير أنهم فسروا الكلام بالألفاظ الدالة على المعنى التام دلالة وضعية فهذا هو الكلام عند العرف، قالوا: وأما المعاني النفسية التي تسميه الأشاعرة كلامًا نفسيًّا فهي صور علمية وليست بالكلام.
وبعبارة أخرى: إنّا لا نجد في نفوسنا عند التكلم بكلام غير المفاهيم الذهنية التي هي صور علمية، فإن أريد بالكلام النفسي ذلك كان علمًا لا كلامًا، وإن أريد به أمر آخر وراء الصورة العلمية فإنا لا نجد وراءها شيئًا بالوجدان، هذا وربما أمكنأان يورد عليه بجواز أن يكون شيء واحد بجهتين أو باعتبارين مصداقًا لصفتين أو أزيد وهو ظاهر، فلم لا يجوزأان تكون الصورة الذهنية علمًا من جهة كونه انكشافًا للواقع، وكلامًا من جهة كونه علمًا يمكن إفاضته للغير؟
أقول: والذي يحسم مادة هذا النزاع من أصله أن وصف العلم في الله سبحانه بأي معنى أخذناه، أي سواء أخذ علمًا تفصيليًّا بالذات وإجماليًّا بالغير، أو أخذ علمًا تفصيليًّا بالذات وبالغير في مقام الذات، وهذان المعنيان من العلم الذي هو عين الذات، أو أخذ علمًا تفصيليًّا قبل الإيجاد بعد الذات أو أخذ علمًا تفصيليًّا بعد الإيجاد وبعد الذات جميعًا، فالعلم الواجبي على جميع تصاويره علم حضوري غير حصولي.
والذي ذكروه وتنازعوا عليه إنما هو من قبيل العلم الحصولي الذي يرجع إلى وجود مفاهيم ذهنية مأخوذة من الخارج بحيث لا يترتب عليها آثارها الخارجية فقد أقمنا البرهان في محله: إن المفاهيم والماهيات لا تتحقق إلا في ذهن الإنسان أو ما قاربه جنسًا من أنواع الحيوان التي تعمل الأعمال الحيوية بالحواس الظاهرة والإحساسات الباطنة.
وبالجملة فالله سبحانه أجلّ من أن يكون له ذهن يذهن به المفاهيم والماهيات الاعتبارية مما لا ملاك لتحقيقه إلا الوهم فقط نظير مفهوم العدم والمفاهيم الاعتبارية في ظرف الاجتماع، ولو كان كذلك لكان ذاته المقدسة محلًّا للتركيب، ومعرضًا لحدوث الحوادث، وكلامه محتملًا للصدق والكذب إلى غير ذلك من وجوه الفساد تعالى عنها وتقدس.
الشيخ محمد مهدي النراقي
الفيض الكاشاني
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ حسين الخشن
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد مصباح يزدي
عدنان الحاجي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
بواعث الغيبة
الصبر في المصائب
ظاهرة العنف: المفهوم والملابسات التاريخيّة
معنى (نخل) في القرآن الكريم
لماذا يذكر الإنفاق مرّة سرًّا ومرة علانيّة في القرآن الكريم؟
معنى الكلام
(كان الغوص مهنة) جديد الكاتب طاهر بن معتوق العامر
استرخاء للحظة يتيح لعقلك عمل شيء رائع
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (روازن) بنسخته الخامسة
ثمرات المودّة والتودّد