مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ رضا الصغير
عن الكاتب :
طالب علوم دينية في حوزة قم المقدسة

غربة المؤمن !

 

الشيخ رضا الصغير
ذات يوم! والوقت عند العصر، كنت ماراً على أحد البيوت لفتني موقف، لم استطع استيعاب ما رأت عيني ! كنت أحسب أن مثل هذه المشاهد قصص خيالية أو تأليف كتاب، أو لقطات مسلسلات وأفلام، رأيت شاباً مفتول العضلات قوي البنية، يصارع والده على جادة الطريق، فرأيت الأب ذا الجسم النحيل، يسقط على الأرض ويتدحرج، لكن الشاب فرّ بعيداً ولم يتوقف ليرى ما جرى على والده، سرعان ما قام الرجل لينفض ثيابه ويدخل بيته، وربما كان يتمتم أو يتحسب ... لا أعلم .


    هذه المواقف، وأمثالها من المواقف التي تتعدى على الإنسانية، أو التي تنتهك حرمة الشرع، تثير الغيرة في قلب المؤمن فيصيح من فرط الأذى صارخاً، بالوعظ وتصحيح السلوك، وتأديب المقابل، لكن يا للأسف! بمجرد أن يتفوه المؤمن بمعروف، أو ينهى عن منكر، تناوشته الألسن، ونبحت عليه الأبواق البشرية، هذه حريةٌ شخصية !

لم تحشر أنفك فيما لا يعنيك؟! 
إذا كان الأب لا يستطيع نهي ابنه، والأم لا تقوى على وعظ ابنتها، والأستاذ لا يحق له توجيه تلميذه إلى السلوك القويم، ولو فعل ربما لحق به الأذى، أو ربما شكى إلى سلطات غابت عنها روح الشريعة والإسلام، وجمدت على قوانين وضعتها عقول بشرية لم تصل إلى حد الكمال، ليقف أمام محاكمة، تصيِّر المحق مخطئاً والمخطئ محقاً.  


   انقلبت الموازين، وبات كل شيء في غير موضعه،  وزادت الجرأة عند المتهتكين، ليعلنوا إلى متى سيكون هذا الفعل - المحرم شرعاً- ممقوتاً وحراماً؟ ويزينون بكل وقاحة ما نفرت الطبيعة والغريزة منه، ولا يردعهم رادع، ولا يستنكر مستنكر، والمؤمن قد أُلجم لما يراه من عواقب وخيمة جرّاء تصحيحه، فترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترك هو بحد ذاته منكر، ففعلوا المنكر، قال تعالى: (( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون))(١).

   المؤمن في هذا الزمن غريب! يحترق قلبه لظىً 
ويُخفي في حشاه ما لا يطيق، متى ينفجر ذاك الصمام؟ ويثور البركان، وتقتحم الحمم كل مكان ويتصاعد الدخان، ليعلم كل إنسان أن قوة الإيمان أعظم من قبضة أي سلطان .
_________________
(١) : سورة المائدة ٧٩

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد