قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

الرأفة


الشيخ حسن المصطفوي

في (صحاح اللّغة) للجوهريّ: «الرأفة: شدّة الرحمة. يُقال: رؤفت بالرجل أَرْأَفُ به رأفةً ورآفةً».
وفي (مقاييس اللّغة) لابن فارس: «رأف: كلمة واحدة تدلّ على رقّة ورحمة، وهي الرأفة. قال تعالى: ﴿..وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..﴾ النور:2، وقُرئت رآفة. ويقال: رجلٌ رؤوف ورؤف».
*وفي (لسان العرب) لابن منظور: «الرأفة: الرحمة، وقيل: أشدّ الرحمة. قال الفرّاء: الرأفة والرآفة مثل الكأبة والكآبة. ومن صفات الله عزّ وجلّ: الرؤوف؛ وهو الرحيم لعباده العطوف عليهم بألطافه. والرأفة أخصّ من الرحمة وأرقّ، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة».
رأفتُه تعالى سبقتْ رحمته..
يظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو العطوفة واللّطف والرحمة الخالصة الشديدة بحيث لا تقبل وقوع ألم ولا تُوجب كراهة ما، ولو كانت لمصلحة.
وأمّا الرحمة: فهي مطلق العطوفة، ويُلاحظ فيها الصلاح والخير، ولو كانت ملازمة للألم والكراهة، كما في معالجة المريض بما يكرهه.
فالرأفة أقوى وأشدّ من جهة الكيفيّة، والرحمة أعمّ من جهة الكميّة والمصاديق وأكثر مورداً. و«الرؤوف» من أسماء الله الحسنى، لكونه متّصفاً بالرأفة في مقابل خَلْقه وبالنسبة إلى عباده، ولا يُرى منه تعالى خلاف الرأفة، إلَّا إذا اقتضى عدله وحكمته أن يعاقب الكافر والمتخلِّف بعد إتمام الحجّة من جميع الجهات، فهو تعالى لا يريد لعباده إلَّا ما هو خير لهم:
- ﴿..إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ الحج:65.
- ﴿..إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ النحل:7.
- ﴿..إِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ الحديد:9.
يُلاحظ هنا أنّه، تبارك وتعالى، يذكر اسم «الرؤوف» قبل «الرحيم»: فإنّ مفهوم الرحيم أوسع دائرة، ولا يبعد أن يكون المفهومان متغايرَين، ولا يصدق أحدهما على الآخر، فإنّ الرأفة فوق الرحمة والمرتبة الشديدة القويّة منها، والرحمة قد تتحقّق بعدها، كما في الخالق والبارئ والمصوّر.
فالرّأفة إنّما تتحقّق في الذات، والرحمة في مقام التعلُّق وبالنسبة إلى الخلق، وهو مقام ظهور الرأفة وتجلّيها.
وإذا أريد موضوع الرأفة من حيث هي: فتُذكر مجرّدة من دون ذكر الرحمة كما في قوله تعالى: ﴿..وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ..﴾ النور:2، أي ولا توجب الرأفة المتحصّلة في قلوبكم أن تكفّوا عن جلدهما، وقوله ﴿فِي دِينِ﴾: متعلّق بالأخذ، أي لا ينبغي في دين الله أن تمنعكم الرأفة عن إجراء الحدّ، وكما في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ البقرة:207، فإنّ الله تعالى بعد هذه المعاملة في حقّ مَن يبتغي مرضاته.. «رؤوف» ويعمل بمقتضى رأْفَته ولطفه، ولا يتصوّر فيه تعالى خلاف الرأفة والعطوفة، ما لم يظهر من العبد الكفر والطغيان.
وكما في قوله تعالى: ﴿..وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ آل عمران:30، فإنّ مقتضى صفة رأفته بالعباد أن يهديهم إلى الصلاح وما فيه الخير والسعادة والكمال لهم، ويحذّرهم عمّا يوجب السَّخط وغضب الله عليهم، ومنعَ الرأفة والعطوفة عنهم.
وهذا بخلاف ذكر الرحمة بعد الرأفة: فإنّه في موارد تقتضي فعليّة الرحمة وجريانها وتعلّقها على العباد؛ ﴿..عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:128، فإنّ الرسول صلّى الله عليه وآله، شديد الرغبة إلى الهداية والخير والفلاح للمؤمنين، ويُديم رأفته ورحمته بهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد