قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

الطّهارة


الشيخ حسن المصطفوي

* طَهَرَ الشَّيْءُ، على وزن  فَعَلَ، وطَهُر على وزن فَعُلَ، طهارةً، والاسم الطُّهْرُ، وهو النّقاء من الدَّنَس والنَّجس. وهو طاهرُ العرض، أي بريءٌ من العيب.
* وماءٌ طاهر: خلاف نجس، وطاهر: صالح للتطهّر به، والطَّهور: هو الطاهر في نفسه المُطهِّر لغيره. ويقال: وما لم يكن مطهّراً فليس بطَهور.
* وقال ابن فارس في (المقاييس): «طهر: أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلّ على نقاءٍ وزوال دَنَس. ومن ذلك الطُّهر: خلاف الدّنَس. والتّطهُّر: التنزّه عن الذمّ وكلّ قبيح. وفلانٌ طاهرُ النيّات: إذا لم يدنّس. والطَّهور: الماء»..
* وفي (لسان العرب) لابن منظور: «الطُّهْر نقيضُ النجاسة والجمع أَطْهار... وماءٌ طَهُور: أَي يُتَطَهَّرُ به، وكلُّ طَهورٍ طاهرٌ وليس كلُّ طاهرٍ طَهوراً... والطُّهور بالضمّ: التطهُّرُ، وبالفتح الماءُ الذي يُتَطَهَّرُ به... والتَّطَهُّرُ: التنزُّه والكَفُّ عن الإِثم وما لا يَجْمُل... ومنه قول الله، عزّ وجلّ، في قوم لوط وقَوْلِهم في مُؤمِني قومِه: ﴿..إِنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُون﴾؛ أَي يتنزَّهُون عن إِتْيان الفاحشة..». (الأعراف:82)

الطهارة الماديّة والمعنويّة
والتحقيق، بحسب ما ورد في المصادر: أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يقابل النّجس والقذِر، أعمّ من أن يكون في مادّيّ أو معنويّ.
فالطهارة المادّيّة يُراد بها التنزّه من النّجس والدَّنَس الظاهريّ المادّيّ، كما في قوله تعالى:
- ﴿..وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ..﴾ الأنفال:11.
- ﴿وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ المدّثّر:4-5.
والطهارة المعنويّة يُراد بها تنزيه العباد عن الأدناس والأرجاس الروحانيّة؛ كما في قوله تعالى:
- ﴿..إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ..﴾ آل عمران:42.
- ﴿..إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب:33.
- ﴿..أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ..﴾ المائدة:41.
وأما الطهارة المطلقة، فيُراد بها مطلق حصول الطهارة؛ سواء كانت في جهة مادّيّة أو معنويّة باطنيّة؛ كما في قوله تعالى:
- ﴿..فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ التوبة:108.
- ﴿..إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة:222.
- ﴿..أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ..﴾ البقرة:25.

فظهر أنّ التدنّس من جهة نجاسة، أو قذارة، أو نيّة فاسدة، أو صفة ذميمة، أو عقيدة منحرفة: ممّا يقابل الطهارة، والتنزّه عن كلٍّ منها مصداقٌ من مصاديقها، فهذا التنزّه والنقاء أعمّ من أن يكون في جهة مادّيّة أو معنويّة.
ثمّ إنّ الطّهارة والطُّهر: يلاحظ فيهما نفس النقاء والتنزّه. والتطهّر والاطّهار: يلاحظ فيهما اختيار الطهارة. والتطهير يلاحظ فيه جعل الشيء طاهراً.

وجوه الطهارة الخمسة
والطهارة بوجه آخر: إمّا في التكوين، أو في الأفكار والاعتقاد، أو في الصفات والأخلاق، أو في الأعمال والأفعال الاختياريّ، أو في الجريان الطبيعيّ.
1) في التكوين وذات الشيء؛ كما في قوله تعالى:
- ﴿..وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾ الفرقان:48.
- ﴿..وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾ الإنسان:21.
فالماء الطَّهور: هو المتّصف ذاتًا بهذه الصفة وهو طاهرٌ في نفسه، وأمّا كونه مطهّرًا لغيره: فليس من حقيقة مدلوله، بل من لوازمه عرفاً أو شرعاً مع شرائط مخصوصة.
2) في الأفكار والاعتقادات:
﴿..وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ..﴾ المائدة:41، أي في الأفكار والأحكام والاعتقادات الثابتة في اليهود والتوراة، وتطهير قلوبهم بالتوجّه إلى الله عزّ وجلّ والتمسّك بالعقائد الحقّة والتقيّد بأحكامه سبحانه.
3) في الصفات والأخلاق الباطنيّة:
﴿..فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..﴾ الأحزاب:53؛ أي يوجب تنزّههم عن أيّ دنَسٍ في القلب، وعن أيّ كدَرٍ ومرضٍ باطنيّ.
4) في الأعمال والأفعال:
- ﴿..إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة:222.
- ﴿..فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ التوبة:108، أي يختارون الطهارة والصلاح في أعمالهم.
وفي مطلق الطهارة في أيّ مرتبة؛ كما في قوله تعالى:
﴿..إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب:33.

﴿..إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ آل عمران:42.
﴿..وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ..﴾ البقرة:25؛ فيُراد بها مطلق الطهارة في أيّ مرتبة.
5) في الطبيعة وجريانها؛ كما في قوله تعالى:
﴿..وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ..﴾ البقرة:222؛ أي حتّى تحصل لهنّ الطهارة عن الجريان العاديّ من أيّامهنّ.
التَّطَهُّر من لوازم السلوك.. وصولاً إلى «التّطهير»
يظهر ممّا تقدّم أنّ التطهير في أيّ شأنٍ من الشؤون، وفي أيّ حالة من الحالات، وفي أيّ مرتبة ومقام محبوبٌ ومطلوب، وهو أوّل شرطٍ في تحقّق الصفاء والخلوص والنورانيّة، كما أنّ الكدورة والقذارة من أهمّ الموانع في مقام طلب الروحانيّة وإدراك الفيوضات والرحمة الإلهيّة.
فالتطهير معنى عامّ ومفهوم جامع: يجري في جميع منازل السلوك، ويحتوي قاطبة وظائف السّير في المراتب، في كلّ مرتبة بما تقتضيه وتناسبه.
فالتطهير المطلق هو التنزّه عن كلّ عَيبٍ ورجسٍ مادّيّ أو معنويّ، وفي أيّ مرتبة من مراتب الأفكار والصفات والأعمال وفي التكوين، وهذا هو الكمال الأتمّ والبلوغ إلى منتهى حدّ النورانيّة:
- ﴿..إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب:33.
- ﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا..﴾ آل عمران:55؛ أي مطهّرك من الاختلاط بهم وكدورة معاشرتهم والابتلاء بمصاحبتهم ومقابلتهم في الحياة الدنيا، ومن رِجسهم. وهذا المعنى لا فرق فيه بين أن يكون المراد موتاً أو انتقالاً إلى البرزخ...
ولا يخفى أنّ السالك إنّما يتمكَّن من تهيئة مقدّمات الطهارة والعمل بما يوجب البُعد عن الأرجاس. وأمّا التطهير وجعل النفس طاهرة بقدرته وقوّته فغيرُ ميسورٍ له. وعلى هذا يُنسب التطهير في كلام الله تعالى إلى الله عزّ وجلّ، ويُنسب التطهّر إلى العبد.

فتطهيرُ الله كما في قوله تعالى:
- ﴿..إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ..﴾ آل عمران:42.
- ﴿..أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ..﴾ المائدة:41.
- ﴿..وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ..﴾ المائدة:6.
- ﴿..ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب:33.
- ﴿..وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ..﴾ آل عمران:55.
والتطهّر للإنسان كما في قوله تعالى:
- ﴿..رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ التوبة:108.
- ﴿..إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ الأعراف:82.
- ﴿..وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة:222.
فإنّ التطهير مرتبة عالية فوق الهداية، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ..﴾ القصص:56.
وإنّما يُتصوّر التطهير بعد تحقّق الهداية، وكلّ منهما إنّما يتحقّق بمعناه الحقيقيّ بالتأثير والتغيير في النفس، وهو لا يحصل إلَّا بالإشهاد وإراءة الحقائق وجعل النفس نورانيّة وروحانيّة بحصول الشهود.

نعم إنّ مجاهدة الإنسان وأعماله الصالحة في السلوك إلى الله هي الوسيلة إلى الهداية والتّطهير: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..﴾ العنكبوت:69.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد