قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

الإنسان سر الخليقة


الشيخ محمد هادي معرفة ..

الإنسان ـ كما وصفه القرآن ـ صفوة الخليقة وفلذتها وسرّها الكامن في سلسلة الوجود .
لا تجد وصفاً عن الإنسان وافياً ببيان حقيقته الذاتية التي جَبَله الله عليها ـ في جميع مناحيها وأبعادها المترامية ـ في سوى القرآن. يصفه بأجمل صفات وأفضل نعوت لم يُنْعَم بِها أيّ مخلوق سواه، ومن ثَمَّ فَقد حظي بعناية الله الخاصّة وحُبي بكرامته منذ بدء الوجود .
ولنشر إلى فهرسة تلكم الصفات والميزات التي أهّلته لمثل هذه العناية والحباء :
1 ـ خلقه الله بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ 1 .
2 ـ نفخ فيه من روحه : ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ 2 3 .
3 ـ أودعه أمانته : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ... ﴾ 4 .
4 ـ علمه الأسماء كلّها : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ... ﴾ 5 .
5 ـ أسجد له ملائكته : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ ... ﴾ 6 .
6 ـ منحه الخلافة في الأرض : ﴿ ... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ 7 .
7 ـ سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ... ﴾ 8 .
ومن ثَمَّ بارك نفسه في هذا الخلق الممتاز : ﴿ ... ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ 9 .

ميزات سبع حظي بها الإنسان في أصل وجوده، فكان المخلوق المفضّل الكريم. وإليك بعض التوضيح :

ميزات الإنسان الفطرية
امتاز الإنسان في ذات وجوده بميزات لم يحظ بها غيره من سائر الخلق :
فقد شرّفه الله بأن خلقه بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ ... ﴾ 1 ( خطاباً لإبليس ) ﴿ ... أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ 1 . والله خالق كلّ شيء. فلا بدّ أن تكون هناك خصوصيّة في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه. هي خصوصيّة العناية الربّانيّة بهذا الكائن، وإيداعُه نفخةً من روح الله دلالةً على هذه العناية !
قال العلاّمة الطباطبائي: نسبة خلقه إلى اليد تشريف بالاختصاص كما قال : ﴿ ... وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... ﴾ 10. وتثنية اليد كناية عن الاهتمام البالغ بخلقه وصنعه، ذلك أنّ الإنسان إذا اهتّم بصنع شيء استعمل يديه معاً عناية به 11
وهكذا نفخة الروح الإلهيّة فيه كناية عن جانب اختصاص هذا الإنسان ـ في أصل فطرته ـ بالملأ الأعلى حتّى ولو كان متّخذاً ـ في جانب جسده ـ من عناصر تربطه بالأرض، فهو في ذاته عنصر سماوي قبل أن يكون أرضيّاً .

ولقد خلق الإنسان من عناصر هذه الأرض ثُمَّ من النفخة العلويّة التي فرّقت بينه وبين سائر الأحياء. ومنحته خصائصه الإنسانية الكبرى. وأوّلها القدرة على الارتقاء في سلّم المدارك العليا الخاصّة بعالم الإنسان .
هذه النفخة هي التي تصله بالملأ الأعلى، وتجعله أهلاً للاتصال بالله، وللتلقّي عنه ولتجاوز النطاق المادّي الذي تتعامل فيه العضلات والحواسّ، إلى النطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب والعقول. والتي تمنحه ذلك السرّ الخفيّ الذي يسرب به وراء الزمان والمكان، ووراء طاقة العضلات والحواسّ، إلى ألوان من المدركات وألوان من التصوّرات غير المحدودة في بعض الأحيان 12 .
وبذلك استحقّ إيداعه أمانة الله التي هي ودائع ربّانية لها صبغة ملكوتية رفيعة أودعت هذا الإنسان دون غيره من سائر المخلوقات . وتتلخّص هذه الودائع في قدرات هائلة يملكها الإنسان في جبلّته الأولى والتي أهّلته للاستيلاء على طاقات كامنة في طبيعة الوجود وتسخيرها حيث يشاء .
إنّها القدرة على الإرادة والتصميم ، القدرة على التفكير والتدبير، القدرة على الإبداع والتكوين. القدرة على الاكتشاف والتسخير. إنها الجرأة على حمل هذا العبء الخطير . قال سيّد قطب : إنّها الإرادة والإدراك والمحاولة وحمل التعبة، هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله. وهي مناط التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى وهو يُسجِد الملائكة لآدم. وأعلنه في قرآنه الباقي وهو يقول : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ... ﴾ 13 . فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله، ولينهض بالأمانة التي اختارها . والتي عرضت على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها 14 .
إنّها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم الكبير القُوى القويّ العزم . ومن ثَمَّ كان ظلوماً لنفسه حيث لم ينهض بأداء هذه الأمانة كما حملها، جهولاً لطاقاته هذه الهائلة المودعة في وجوده وهو بَعْدُ لا يعرفها .

وهكذا علّمه الأسماء : القدرة على معرفة الأشياء بذواتها وخاصّيّاتها وآثارها الطبيعية العاملة في تطوير الحياة، والتي وقعت رهن إرادة الإنسان ليسخّرها في مآربه حيث يشاء، وبذلك يتقدّم العالم بحشده وجموعه في سبيل عمارة الأرض وازدهار معالمها، حيث أراده الله من هذا الإنسان ﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ﴾ 15 .
وبذلك أصبح هذا الإنسان ـ بهذه الميزات ـ خليفة الله في الأرض 16 ، حيث يتصرّف فيها وفق إرادته وطاقاته المودعة فيه، ويعمل في عمارة الأرض وتطوير الحياة .
وإسجاد الملائكة له في عرصة الوجود، كناية عن إخضاع القوى النورانية برمّتها للإنسان، تعمل وفق إرادته الخاصّة من غير ما تخلّف، في مقابلة القوى الظلمانية ( إبليس وجنوده ) تعمل في معاكسة مصالحه إلاّ من عصمهُ الله من شرور الشياطين ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾ 17 .
كما وأنّ تسخير ما في السماوات وما في الأرض جميعاً 18 ، كناية عن إخضاع القوي الطبيعية المودعة في أجواء السماوات والأرض ـ لهذا الإنسان، تعمل فور إرادته بلا فتور ولا قصور. ومعنى تسخيرها له : أنّ الإنسان فُطر على إمكان تسخيرها

فسبحانه من خالقٍ عظيم، إذ خلق خلقاً بهذه العظمة والاقتدار الفائق على كلّ مخلوق !
هذه دراستنا عن الإنسان على صفحات مشرفة من القرآن الكريم ، فيا ترى أين يوجد مثل هذه العظمة والتبجيل لمخلوقٍ هو في هندامه صغير وفي طاقاته كبير، كبرياء ملأ الآفاق!
أتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ *** وفيك انطوى العالم الأكبر
فتبارك الله أحسن الخالقين بخلقه أحسن المخلوقين !
خلقتُ الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي !
حديث قدسيّ معروف 19 خطاباً مع بني آدم، حيث كانوا هم الغاية من الخليقة كما كانت الذات المقدّسة هي الغاية من خلقه الإنسان ! فكما و أنّ الأشياء برمّتها ـ علواً وسفلاً ـ سخّرها الله لهذا الإنسان ولتكون في قبضته فتجلّى فيها مقدرته الهائلة، كذلك خلق الإنسان ليكون مظهراً تامّاً لكامل قدرته تعالى في الخلق والإبداع .
ما من مخلوق ـ صغيرٍ أو كبير ـ إلاّ وهو مظهر لتجلّي جانب من سمات الصانع الحكيم « وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد ». أمّا الإنسان فكان المرآة الصقيلة التي تتجلّى فيها جميع صفات الجمال والجلال .

فإذا سئلت : ما هي الغاية من خلق ما في السماوات وما في الأرض جميعاً ؟ قُلتَ ـ حسب وصف القرآن ـ : هو الإنسان ذاته مستودع أمانات الله وليكون خليفته في الأرض !
وإذا سئلت : ماهي الغاية من خلقة الإنسان ذاته ؟ قُلتَ : هُوَ اللهُ الصانعُ الحكيم : حيث الإنسان بقدرته على الخلق والإبداع أصبح مظهراً تامّاً لكامل الأسماء والصفات، فكان وجه الله الأكمل وعين الله الأتمّ !
فكان الإنسان غاية الخليفة، وكان الله الغاية من خلق الإنسان، فالله هو غاية الغايات وبذلك ورد : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرَف، فخلقتُ الخلق لكي اُعرَف » 20 . حيث الإفاضة ـ وهي تجلّي الذات المقدّسة ـ كانت بالخلق والإبداع ومظهره الأتمّ هو الإنسان 21 .
ـــــــــــــــــــــ
1. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 75 ، الصفحة : 457 .
2. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 263 .
3. و في سورة السجدة﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ... ﴾ القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 415 .
4. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 72 ، الصفحة : 427 .
5. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 6 .
6. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 6 .
7. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 6 .
8. القران الكريم : سورة الجاثية ( 45 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 499 .
9. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 342 .
10. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 263 .
11. تفسير الميزان : 17 / 239 .
12. من إفادات سيّد قطب ، راجع : في ظلال القرآن : 14 / 17 ، المجلد 5 ، ص 203 .
13. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 70 ، الصفحة : 289 .
14. في ظلال القرآن : 22 / 47 ، المجلد 6 ، ص 618 .
15. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 228 .
16. راجع : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 30 .
17. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 288 .
18. راجع : سورة الجاثية ( 45 ) ، الآية : 13
19. راجع : علم اليقين للفيض الكاشاني :1 / 381 .
20. حديث قدسي معروف. راجع : البحار : 84 / 199؛ و هامش عوالى اللئالي : 1 / 55 ؛ و كتاب كشف الخفاء للعجاوني : 2 / 132 .
21. شبهات وردود حول القرآن الكريم : 21 ـ 25 ، تحقيق : مؤسسة التمهيد ، الطبعة الثانية / سنة : 1424 هـ 2003 م ، منشورات ذوي القربى ، قم المقدسة / الجمهورية الاسلامية الإيرانية .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد