فجر الجمعة

النص الكامل لخطبة العبادية للشيخ عبدالكريم الحبيل في جمعة التضامن الكبرى بالقطيف

 

أيها الاخوة الكرام عشنا جميعا ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام التي كانت بحق مهرجان عزة وكرامة ووفاء ومظهر من مظاهر العظمة، وعربون وفاء وولاء قدمه شيعة أهل البيت ومحبيهم وكل أحرار الدنيا لسيد الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.

 

إن زيارة الامام الحسين عيه السلام جاءت الروايات منوهة بفضلها وشرفها وعلو ورفعة الزائرين، وفي رواية عن الباقر عليه السلام أنه قال: "مُروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه السلام فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء وإتيانه مفترضٌ على كلّ مؤمن يقرُّ للإمام الحسين بالإمامة من الله".

 

وعن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاخته قال: قال لي أبو عبد الله (ع): "يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين (ع) إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الإنصراف أتاه ملك فقال: إنّ رسول الله (ص) يقرؤك السلام ويقول لك: إستأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى".

 

أعظم بها من منزلة وكرامة ومن أجر عظيم ناله وفاز به زوار الإمام الحسين عليه السلام الذين توافدوا على تلك البقعة الطاهرة المقدسة، وعلى ذلك المقام الشامخ من كل أصقاع المعمورة، إن الروايات في فضل زيارة الإمام عليه السلام لا تحصى وهي كثرة، بل أنها في بعض الروايات تعدل لمن كان عارفا بحق الحسين مئة حجة مع رسول الله (ص)، وأثرها عظيم سواء من الناحية الدنيوية أو من الناحية الأخروية.

 

فقد أشادت روايات أهل البيت عليهم السلام بفضلها وبيان ما يعود على الزائر من أثر عظيم في الدنيا والآخرة، وأنها تنفس الكرب وتكشف الهم وتشرح الصدر، وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "قتل الحسين مكروبا وحقيق على الله أن لا يأتيه مكروب إلا رده الله مسرورا"، تلك كرامة أكرم بها الله الإمام الحسين عليه السلام.

 

و كما جاء في الرواية أنها تزيد في الرزق وتمد في العمر وتدفع مدافع السوء، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء..."، هذا من الآثار الدنيوية التي ترجع إلى زائر الإمام الحسين عليه السلام في الدنيا، وكذلك مغفرة الذنوب فإن غفران الذنوب لا يكون أثره في الآخرة فقط وإنما ينعكس أثره على المؤمن في الحياة الدنيا كذلك، وأما في الآخرة فكذلك آثارها عظيمة، فإن زيارة الحسين أمان يوم القيامة، في ذلك اليوم، يوم الفزع الأكبر، زوار الحسين آمنون، زوار الحسين لائذون بالحسين عليه السلام، زوار الحسين في سفينة النجاة، سفينة أبي عبد الله الحسين، إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، وأعظم بها من سفينة، وأعظم بها من كرامة، وكما جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "كلنا سفن نجاة إلا أن سفينة جدي الحسين أكبر".

 

وفي رواية عن الصادق عليه السلام أنه قال: "من أتى قبر الحسين تشوّقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة، وأُعطي كتابه بيمينه، وكان تحت لواء الحسين حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته....".

 

وأنها تحط الذنوب، فإن بكل خطوة مغفرة من ذنوبه، وزائر الحسين مشفع يوم القيامة، فقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "زائر الحسين مشفع يوم القيامة لمائة رجل، كلهم قد وجبت لهم النار ممن كان في الدنيا من المسرفين".

 

يا زوار الحسين شفعاء عند الله، وجهاء عنده ، وقد طلبَ منهم المؤمنون الدعاء عند قبة الإمام الحسين عليه السلام، أسأل الله أن لا يحرمنا من صالح دعائهم إنه سميع مجيب.

 

وأما بالنسبة إلى آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام وانعكاستها في زماننا هذا، فهي لا شك مهرجان عظيم، ومسيرة مليونية كبرى، إمتزج فيها الإيمان بالعشق والعقيدة الراسخة بالحب، والولاء لأهل البيت، وهذا من مميزات مذهب أهل البيت عليهم السلام، الذي تتمزج فيه العقيدة بالحب، وتمتزج فيه العقيدة بالعشق، ويمتزج فيه الإيمان بروح العاطفة لحجج الله، لأولياء الله، لأنبياء الله، لرسل الله، لعباد الله الصالحين، للأئمة المعصومين ولأهل البيت عليهم السلام، وهذا مما ميز مذهب أهل البيت عليهم حيث أن قلوب المؤمنين تقطر حبا وولاءا وعشقا لأهل البيت وللإمام الحسين عليه السلام.

 

ثانيا:

هي مؤتمر إيماني كبير، جسد أروع مظاهر الإيثار، والعقيدة، والعزة والحرية والكرامة والبذل والسخاء، فقد رأينا كيف إحتمع المؤمنون في مؤتمر جسدوا فيه كل مظاهر العزة والكرامة والمجد، وكل مظاهر التعاون والإخاء والإيثار والسخاء، والمشاريع الإجتماعية والأخوية والثقافية والتوعوية، والمهرجانات والعبادة من الزيارة والعزاء وإقامة الصلوات، فأعظم به من مهرجان عظيم، مهرجان إيماني في رحاب أرض الإيمان وفي رحاب أرض التضحية والشهادة والفداء.

 

ثالثا:

إن ذلك المهرجان العظيم شكل صرخة مدوية في وجه الظلم والإستبداد، فإن الإمام الحسين عليه السلام رمز المظلومين وصرخة المظلومين وصرخة المحرومين والمستضعفين، وإن الزحف إلى الإمام الحسين هو إنتصار لأولئك المظلومين والمضطهدين والمعذبين، وصرخة في وجه أولئك الظالمين المستبدين المستكبرين، كما وقف الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء هاتفا وبأعلى صوته أمام تلك الجموع والجيوش المدججة بالسلاح قائلا: "ألَا وإنّ الدَعِيَّ ابنَ الدَعِيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنَتَينِ، بينَ السِّلَّةِ والذِّلَّةِ، وهيهاتَ منّا الذِّلَّةُ".

 

رابعا:

هي تخليد لتلك الأهداف السامية والمبادئ العظيمة التي ضحى من أجلها سيد الشهداء، الذي خرج طالبا الإصلاح في أمة جده حيث قال كلمته العظيمة: إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي"، وبالتالي هي وقفة وفاء صادقة لأبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام ومشهد إنتصار لكل مبادئ الحق.

 

خامسا:

هي بيعة، للإمام الحسين، بيعة لأبي عبد الله الذي وقف يوم عاشوراء مناديا "أمَا من ناصرا ينصرنا، أمَا من معين يعيننا، أما من ذابٍ يذبّ عنّا"، فذلك الزحف وتلك الجموع خرجت من كل أصقاع المعمورة ملبية لتلك الدعوة وذلك النداء، بنداء "لبيك يا حسين".