قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

شروط المفسِّر وآدابه


الشيخ جعفر السبحاني ..
فتح علماء التفسير باباً باسم « معرفة شروط المفسِّر وآدابه » وذكروا كلّ ما يحتاج إليه المفسر في تفسير كلام اللّه العزيز فمنهم من اختصر كالراغب الاصفهاني في « مقدمة جامع التفاسير » ، ومنهم من أسهب كالزركشي في كتابه « البرهان في علوم القرآن » والسيوطي في « الإتقان » ، ونحن نسلك طريقاً وسطاً في هذا المضمار. وبما أنّ ما ذكره الراغب أساس لكل من جاء بعده ، نأتي هنا بملخص ما ذكره ، ثمّ ندخل في صلب الموضوع ، فنقول :
ذكر الراغب الأصفهاني في « مقدّمة جامع التفاسير » الشروط التالية :
الأوّل : معرفة الألفاظ ، وهو علم اللغة.
الثاني : مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض ، وهو الاشتقاق.
الثالث : معرفة أحكام ما يعرض الألفاظ من الأبنية والتعاريف والإعراب ، وهو النحو.
الرابع : ما يتعلّق بذات التنزيل ، وهو معرفة القراءات.
الخامس : ما يتعلّق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات ، وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السور من ذكر الأنبياء عليهم‌ السلام والقرون الماضية ، وهو علم الآثار والأخبار.
السادس : ذكر السنن المنقولة عن النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم وعمّن شهد الوحي ممن اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ممّا هو بيان لمجمل أو تفسير لمبهم ، المنبأ عنه بقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكر لِتُبَيِّنَ لِلنّاس ما نزل إِليهم ) وبقوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه ) ، وذلك علم السنن.
السابع : معرفة الناسخ والمنسوخ ، والعموم والخصوص ، والإجماع والاختلاف ، والمجمل والمفصّل ، والقياسات الشرعية ، والمواضع التي يصحّ فيها القياس والتي لا يصحّ ، وهو علم أُصول الفقه.
الثامن : أحكام الدين وآدابه ، وآداب السياسات الثلاث التي هي سياسة النفس والأقارب والرعية مع التمسك بالعدالة فيها ، وهو علم الفقه والزهد.
التاسع : معرفة الأدلّة العقلية والبراهين الحقيقية والتقسيم والتحديد ، والفرق بين المعقولات والمظنونات ، وغير ذلك ، وهو علم الكلام.
العاشر : علم الموهبة ، وذلك علم يورثه اللّه مَنْ عَمِلَ بما علم ، وقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام : « قالت الحكمة : من أرادني فليعمل بأحسن ما علم » ثمّ تلا : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه ).
وما روي عنه حين سئل : هل عندك علم عن النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم لم يقع إلى غيرك؟ قال : لا ، إلاّ كتاب اللّه وما في صحيفتي ، وفهم يؤتيه اللّه من يشاء وهذا هو التذكّر الذي رجّانا تعالى إدراكه بفعل الصالحات ، حيث قال : ( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى ) إلى قوله : ( لعلّكُمْ تَذَكَّرُون ) ، وهو الهداية المزيدة للمهتدي في قوله : ( وَالَّذينَ اهتَدُوا زادَهُمْ هُدى ) وهو الطيب من القول المذكور في قوله : ( وَهُدُوا إِلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَولِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الحَمِيد ).
فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسر ، ولا تتم صناعة إلاّ بها ، هي هذه العشرة : علم اللغة ، والاشتقاق ، والنحو، والقراءات ، والسير ، والحديث ، وأُصول الفقه ، وعلم الأحكام ، وعلم الكلام ، وعلم الموهبة. فمن تكاملت فيه هذه العشرة واستعملها خرج عن كونه مفسراً للقرآن برأيه.
هذا نصّ كلام الراغب الأصفهاني ، وقد ذكر أُمّهات الشرائط التي ينبغي على المفسر التحلّـي بها ، وبيت القصيد في كلامه هو ما ذكره في الشرط العاشر وهو علم الموهبة.
والحقّ أنّ تفسير القرآن الكريم يحتاج إلى ذوق خاص على حدّ يخالط القرآن روحه وقلبه ويتجرد في تفسيره عن كلّ نزعة وتحيز ، وهو عزيز المنال والوجود بين المفسرين.
ولكن الذي يؤخذ على الراغب الأصفهاني هو أنّ بعض ما عدّه من شروط التفسير يعدّ من كمال علم التفسير ، كالعلم بأُصول الفقه وعلم الكلام ، فإنّ تفسير الكتاب العزيز لا يتوقف على ذينك العلمين على ما فيها من المباحث التي لا تمتُّ إلى الكتاب بصلة. نعم معرفة الناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد وكيفية العلاج ، أو معرفة العموم والخصوص وكيفية التخصيص ، والإجماع والاختلاف وأُسلوب الجمع بينهما ، والمجمل والمبيّن ، التي هي من مباحث علم الأُصول ممّا يتوقف عليه تفسير الكتاب ، كما أنّ الآيات التي تتضمن المعارف الغيبية كالاستدلال على توحيد ذاته وفعله وعبادته لا تفسر إلاّ من خلال الوقوف على ما فيها من المباحث العقلية التي حقّقها علماء الكلام والعقائد ، وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بالقرآن.
وما ربما يقال من أنّ السلف الصالح من الصحابة والتابعين كانوا مفسّرين للقرآن على الرغم من عدم اطّلاعهم على أغلب هذه المباحث ، غير تام ؛ فإنّ المعلم الأوّل ـ بعد النبيّ ـ للتفسير والمصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب عليه‌ السلام ، وقد روي عنه في علم الكلام ما جعله مرجعاً في ذينك العلمين حتّى فيما يرجع إلى أُصول الفقه من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ، قال عليه‌ السلام :
« إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، ولقد كُذب على رسول اللّه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم على عهده حتى قام خطيباً وقال : « من كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ».


إلى أن قال بعد تقسيم الناس إلى أربعة أقسام :
« وآخر رابع لم يكذب على اللّه ، ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفاً من اللّه ، وتعظيماً لرسول اللّه صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم لم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، فهو حفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه ، وعرف الخاص والعام ، والمحكم والمتشابه ، فوضع كلّ شيء موضعه ».
هذا بعض كلامه عليه‌ السلام حول ما يمت إلى أُصول الفقه ، وأمّا كلامه فيما له صلة بالعقائد والمباحث الكلامية فحدث عنه ولا حرج ، فهذه خُطَبه عليه‌ السلام فيها وقد أخذ عنه علماء الكلام ما أخذوا.
وأمّا من لا خبرة له بهذين العلمين من الأقدمين فقد اقتصروا بالتفسير بالمأثور وتركوا البحث فيما لم يرد فيه نص ، ولذا عاد تفسيرهم تفسيراً نقلياً محضاً ، وسيوافيك البحث في هذا النوع من التفسير.
إلى هنا تمّ ما أردنا نقله من كلام الراغب ، وبما أنّ لجلال الدين السيوطي كلاماً في شروط التفسير نذكره لما فيه من اللطافة وإن كان ذيله لا يخلو من الشذوذ ، قال :
قال العلماء : من أراد تفسير الكتاب العزيز ، طلبه أوّلاً من القرآن ، فما أُجملَ منه في مكان ، فقد فُسّر في موضع آخر ؛ وما اختصر في مكان ، فقد بُسط في موضع آخر منه.
وقد ألّف ابن الجوزي كتاباً فيما أجمل في القرآن في موضع وفسّر في موضع آخر منه ، وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل.
فإن أعياه ذلك طلبه من السنّة ، فإنّها شارحة للقرآن وموضحة له ، وقد قال الشافعي : كلّ ما حكم به رسول اللّه صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم فهو ممّا فهمه من القرآن ، قال تعالى : ( إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّه ) في آيات أُخر وقال صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم : « ألا إنّي أُوتيت القرآن ومثله معه » ، يعني السنّة.
فإن لم يجده في السنّة رجع إلى أقوال الصحابة ، فإنّهم أدرى بذلك ، لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
فما ألطف كلامه في المقطعين الأوّلين دون المقطع الثالث فقد بخس فيه حقوق أئمّة أهل البيت عليهم ‌السلام ، فإنّ السنّة النبوية ليست منحصرة بما رواها الصحابة والتابعون ، فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم ‌السلام عيبة علم النبي ووعاة سننه ، فقد رووا عن آبائهم عن علي أمير المؤمنين عليه ‌السلام عن النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم روايات في تفسير القرآن الكريم ، كيف وهم أحد الثقلين اللّذين تركهما رسول اللّه وقال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي ».


ولعمر اللّه إنّ الإعراض عن أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم ‌السلام لخسارة فادحة على الإسلام والمسلمين.
ثمّ إنّ الرجوع إلى أقوال الصحابة لا ينجع ما لم ترفع أقوالهم إلى النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم ، فمجرد أنّهم شاهدوا الوحي والتنزيل لا يثبت حجّية أقوالهم ما لم يسند إلى النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم ، والقول بحجّية قول الصحابي بمجرّد نقله وإن لم يسند قوله إلى النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم قول فارغ عن الدليل ، فإنّه سبحانه لم يبعث إلاّ نبيّاً واحداً لا أنبياء حسب عدد الصحابة إلاّ أن يرجع قولهم إلى قول النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم.
إذا عرفت كلام هذين العلمين فلنذكر شروط التفسير حسب ما نراها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد