مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

البكاء على الحسين (ع) ودوره في إحياء الأمة (1)

إن كان لملحمة عاشوراء أن تستمر برسالتها وتحقق أهدافها فلا بدّ أن يحصل التّفاعل معها بالفكر والشعور والعمل. ولا شيء في عالم الشعور يمكن أن يتناسب مع هذه الفاجعة التي تهد الجبال الرواسي، مثل البكاء، مع ما فيه من تفجُّعٍ وذرفٍ للدموع والنحيب وإظهار الحزن الشديد.

 

مثلما تستمر رسالة عاشوراء بقيمها التي على رأسها الاستشهاد في سبيل الدين ورفض الذلّة التي يريد الأعداء أن يفرضوها على الأمّة؛ فإنّ إظهار كل أشكال الحزن يؤكّد على أنّها ما زالت حاضرة في النفوس والوجدان، وأنّه لتفاعلٌ طبيعي أن يبلغ الحزن بالعاشق للإنسان الكامل والولي الأعظم مبلغًا لا يطيق معه العيش أبدًا.

 

وإنّما يحفظ الله حياة هؤلاء العشّاق المكروبين المفجوعين لمصلحة وحكمة، وهي أن يمضوا على هذا النهج حتى لا يبقى فتنة في الأرض. إنّ البكاء على الحسين يمثّل وعيًا لما يعنيه قتل شخص مثل الإمام الحسين الذي هو سيّد شباب أهل الجنة، ولأنّ الله هو الذي يُضحك ويُبكي، نعلم أنّ من صنع البكاء على الحسين ويصنعه هو الله تعالى، الذي أراد أن تكون عاشوراء أكبر مظهر لعظمة الإنسانية، التي ظهرت بمواجهة نقيضها.

 

هذا هو الانتصار الأكبر، انتصار حفظ الإنسانية التي تبكي وتتفجّع على ما هو مُحزنٌ حقًّا، وعلى ما هو خسارة حقًّا.

 

الحث على الحزن والبكاء والجزع عليهم

 

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع‏): أَنَا قَتِيلُ‏ الْعَبْرَةِ لَا يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلَّا اسْتَعْبَرَ.[1]

 

خَرَجَ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ الْهَمَدَانِيِّ وكِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ(ع) أَنَّ مَولَانَا الْحُسَيْنَ‏(ع) ولِدَ يَومَ الْخَمِيسِ لِثَلَاثٍ خَلَونَ مِنْ شَعْبَانَ فَصُمْهُ وادْعُ فِيهِ بِهَذَا الدُّعَاء: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِ‏ الْمَولُودِ فِي هَذَا الْيَومِ الْمَوعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلَالِهِ وولَادَتِهِ بَكَتْهُ السَّمَاءُ ومَنْ فِيهَا والْأَرْضِ ومَنْ عَلَيْهَا ولَمَّا يَطَأْ لَابَتَيْهَا. قَتِيلِ الْعَبَرَةِ وسَيِّدِ الْأُسْرَةِ الْمَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ يَومَ الْكَرَّة.[2]

 

عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ(ع): أَنَا قَتِيلُ‏ الْعَبْرَةِ قُتِلْتُ مَكْرُوبًا وحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَأْتِيَنِي مَكْرُوبٌ إِلَّا أَرُدَّهُ وأَقْلِبَهُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا.[3]

 

عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) يَقُولُ:‏ نَفَسُ‏ الْمَهْمُومِ‏ لَنَا الْمُغْتَمِ‏ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ، وهَمُّهُ لِأَمْرِنَا عِبَادَةٌ وكِتْمَانُهُ لِسِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ لِي: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ اكْتُبْ هَذَا بِالذَّهَبِ فَمَا كَتَبْتَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ.[4]

 

عن معاوية بن وهب عن جعفر بن محمد الصادق(ع) قَالَ (ع): كُلّ‏ الْجَزَعِ‏ والْبُكَاءِ مَكْرُوهٌ سِوى الْجَزَعِ والْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِ (عَ)، فإنّه فيه مأجور.[5]

 

عن الحسين بن علي بن فضال عن الإمام الرضا(ع):‏ مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا فَبَكَى‏ وأَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَومَ تَبْكِي الْعُيُونُ.[6]

 

عن الريان بن شبيب عن الرضا(ع): إِنْ‏ كُنْتَ‏ بَاكِيًا لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُون.[7]‏

 

إيضاح حول أنا قتيل العبرات[8]

 

إضافة كلمة "قتيل" إلى "العَبرة" هي من باب إضافة السبب إلى المُسبّب، وبناءً على ذلك فإنّ جملة "أنا قتيل العَبرة"، تعني أنّ قتلي سبب للبكاء، ولذلك فإنّ الجملة المذكورة فُسّرت كذلك في الروايات: "أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر". "لَا يَذْكُرُهُ‏ مُؤْمِنٌ‏ إِلَّا بَكَى"‏.[9]

 

يقول العلّامة المجلسي في إيضاح الجملة المذكورة: "أنا قتيل العَبرة"، "أنا قتيل" منسوبٌ إلى العبرة والبكاء وسبب لها، أو أُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال. والأول أظهر.[10]

 

ويبدو أنّ الاحتمال الأول هو المُتعيّن وليس هو الأظهر. وذلك بسبب انطباقه مع الروايات التي أشرنا إليها، وانسجامه مع منزلة الإمامة والعظمة الروحية للإمام الحسين(ع)، كما قال العلّامة المجلسي.

 

وفي الحقيقة فإنّ جملة "أنا قتيل العبرة" إشارة إلى ظاهرة تاريخية واجتماعية مهمة، وهي أنّ مقتل أي شخص لم يكن وسوف لا يكون محزنًا مبكيًا طيلة التاريخ كمقتل سيّد الشهداء.

 

لقد قُتل أُناس كثيرون على مر التاريخ ولكن لم يبكِ عليهم أحد، وقُتل الكثيرون ولكن البكاء كان مؤقتًا، وقُتل الكثيرون ولكنّهم لم يتركوا تأثيرهم إلا على فئة خاصة، مع أنه لم ترد أي رواية حول أي شخص سوى الإمام الحسين(ع)، تفيد بأنّ الجميع بكى عليه اعتبارًا من آدم أبي البشر وحتى خاتم الأنبياء، كما بكى عليه أهل بيت رسول الله(ص) قبل ولادته، وبكى عليه جمعٌ من أصحاب رسول الله، وبكت عليه الملائكة والحيوانات والسماء والأرض، بل وحتى الأعداء.

 

ونحن لا نعرف أحدًا طوال التاريخ بكى عليه الناس لأكثر من 1300 سنة! نعم، إنّ سيد الشهداء هو"قتيل العبرة"، وما لم يُنتقم لدماء جميع المظلومين على مرّ التاريخ من الظالمين، ولم تُحقَّق الأهداف الحسينية بقيادة ابنه العظيم مهدي آل محمد في العالم. فإنّ عبرات المؤمنين الحقيقيّين ومحبّي أهل بيت الرسالة ستظل جارية.

 

ثواب البكاء عليهم

 

عن أمير المؤمنين(ع): كُلُ‏ عَيْنٍ‏ يَومَ‏ الْقِيَامَةِ بَاكِيَةٌ وكُلُّ عَيْنٍ يَومَ الْقِيَامَةِ سَاهِرَةٌ إِلَّا عَيْنَ مَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ وبَكَى عَلَى مَا يُنْتَهَكُ مِنَ الْحُسَيْنِ وآلِ مُحَمَّدٍ(ع).[11]

 

عن الربيع بن المنذر عن أبيه عن الحسين بن علي(ع): مَا مِنْ‏ عَبْدٍ قَطَرَتْ‏ عَيْنَاهُ‏ فِينَا قَطْرَةً أَو دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً إِلَّا بَوأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ حُقُبًا.[12]

 

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(ع) يَقُولُ‏: أَيُّمَا مُؤْمِنٍ‏ دَمَعَتْ‏ عَيْنَاهُ‏ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ(ع) حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوأَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَسْكُنُهَا أَحْقَابًا. وأَيُّمَا مُؤْمِنٍ‏ دَمَعَتْ‏ عَيْنَاهُ‏ حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدَّيْهِ فِيمَا مَسَّنَا مِنَ الْأَذَى مِنْ عَدُونَا فِي الدُّنْيَا بَوأَهُ اللَّهُ مَنْزِلَ صِدْقٍ.[13]

 

عَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَكْفُوفِ قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ(ع) فِي حَدِيثٍ‏ ومَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ‏ عِنْدَهُ‏ فَخَرَجَ‏ مِنْ عَيْنِهِ مِنَ الدُّمُوعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ كَانَ ثَوابُهُ عَلَى اللَّهِ ولَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّةِ.[14]

 

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏ إِنَّ الْبُكَاءَ والْجَزَعَ مَكْرُوهٌ لِلْعَبْدِ فِي كُلِّ مَا جَزِعَ ـ مَا خَلَا الْبُكَاءَ والْجَزَعَ‏ عَلَى‏ الْحُسَيْنِ‏ بْنِ عَلِيٍ‏(ع) فَإِنَّهُ فِيهِ مَأْجُورٌ.[15]

 

عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) يَقُولُ: إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) عِنْدَ رَبِّهِ (عَزَّ وجَلَّ) يَنْظُرُ إِلَى‏ مَوضِعِ‏ مُعَسْكَرِهِ‏، ومَنْ حَلَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ مَعَهُ، ويَنْظُرُ إِلَى زُوارِهِ وهُو أَعْرَفُ بِحَالِهِمْ وبِأَسْمَائِهِمْ وأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وبِدَرَجَاتِهِمْ ومَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ (عَزَّ وجَلَّ) مِنْ أَحَدِكُمْ بِولَدِهِ، وإِنَّهُ لَيَرَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ ويَسْأَلُ آبَاءَهُ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ، ويَقُولُ: لَو يَعْلَمُ زَائِرِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِهِ، وإِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبُ ومَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ.[16]

 

عَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كِرْدِينٍ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع): يَا مِسْمَعُ‏ أَنْتَ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ الْعِرَاقِ‏ أَمَا تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ(ع)؟ قُلْتُ: لَا، أَنَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وعِنْدَنَا مَنْ يَتَّبِعُ هَوى هَذَا الْخَلِيفَةِ وعَدُونَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ القَبَائِلِ مِنَ النُّصَّابِ وغَيْرِهِمْ ولَسْتُ آمَنُهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا حَالِي عِنْدَ ولْدِ سُلَيْمَانَ فَيُمَثِّلُونَ بِي.

 

قَالَ لِي: أَفَمَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ؟

 

قُلْتُ: نَعَمْ.

 

قَالَ: فَتَجْزَعُ؟

 

قُلْتُ: إِي واللَّهِ، وأَسْتَعْبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَأَمْتَنِعُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وجْهِي. قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ دَمْعَتَكَ ـ أَمَا إِنَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُعَدُّونَ مِنْ أَهْلِ الْجَزَعِ لَنَا والَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا ويَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا ويَخَافُونَ لِخَوفِنَا ويَأْمَنُونَ إِذَا أَمِنَّا، أَمَا إِنَّكَ سَتَرَى عِنْدَ مَوتِكَ حُضُورَ آبَائِي لَكَ ـ ووصِيَّتَهُمْ مَلَكَ الْمَوتِ بِكَ ومَا يَلْقَونَكَ بِهِ مِنَ الْبِشَارَةِ أَفْضَلُ ولَمَلَكُ الْمَوتِ أَرَقُّ عَلَيْكَ وأَشَدُّ رَحْمَةً لَكَ مِنَ الْأُمِّ الشَّفِيقَةِ عَلَى ولَدِهَا.

 

قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ واسْتَعْبَرْتُ مَعَهُ.

 

فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى خَلْقِهِ بِالرَّحْمَةِ وخَصَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِالرَّحْمَةِ.

 

يَا مِسْمَعُ! إِنَّ الْأَرْض‏ والسَّمَاءَ لَتَبْكِي مُنْذُ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(ع) رَحْمَةً لَنَا ومَا بَكَى لَنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَكْثَرُ.

 

ومَا رَقَأَتْ دُمُوعُ الْمَلَائِكَةِ مُنْذُ قُتِلْنَا. ومَا بَكَى أَحَدٌ رَحْمَةً لَنَا ولِمَا لَقِينَا إِلَّا رَحِمَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الدَّمْعَةُ مِنْ عَيْنِهِ. فَإِذَا سَالَتْ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ فَلَو أَنَّ قَطْرَةً مِنْ دُمُوعِهِ سَقَطَتْ فِي جَهَنَّمَ لَأَطْفَأَتْ حَرَّهَا حَتَّى لَا يُوجَدَ لَهَا حَرّ. وإِنَّ الْمُوجَعَ لَنَا قَلْبُهُ لَيَفْرَحُ يَومَ يَرَانَا عِنْدَ مَوتِهِ فَرْحَةً لَا تَزَالُ تِلْكَ الْفَرْحَةُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْنَا الْحَوضَ. وإِنَّ الْكَوثَرَ لَيَفْرَحُ بِمُحِبِّنَا إِذَا ورَدَ عَلَيْهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيُذِيقُهُ مِنْ ضُرُوبِ الطَّعَامِ مَا لَا يَشْتَهِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ.

 

يَا مِسْمَعُ! مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً ولَمْ يَسْتَقِ بَعْدَهَا أَبَدًا وهُو فِي بَرْدِ الْكَافُورِ ورِيحِ الْمِسْكِ وطَعْمِ الزَّنْجَبِيلِ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وأَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ وأَصْفَى مِنَ الدَّمْعِ وأَذْكَى مِنَ الْعَنْبَرِ يَخْرُجُ مِنْ تَسْنِيمٍ ويَمُرُّ بِأَنْهَارِ الْجِنَانِ يَجْرِي عَلَى رَضْرَاضِ الدُّرِّ والْيَاقُوتِ فِيهِ مِنَ الْقِدْحَانِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ يُوجَدُ رِيحُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ قِدْحَانُهُ مِنَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ وأَلْوانِ الْجَوهَرِ يَفُوحُ فِي وجْهِ الشَّارِبِ مِنْهُ كُلُّ فَائِحَةٍ حَتَّى يَقُولَ الشَّارِبُ مِنْهُ: يَا لَيْتَنِي تُرِكْتُ هَاهُنَا لَا أَبْغِي بِهَذَا بَدَلًا ولَا عَنْهُ تَحْويلًا. أَمَا إِنَّكَ يَا ابْنَ كِرْدِينٍ مِمَّنْ تَرْوى مِنْهُ ومَا مِنْ عَيْنٍ بَكَتْ لَنَا إِلَّا نُعِّمَتْ بِالنَّظَرِ إِلَى الْكَوثَرِ وسُقِيَتْ مِنْهُ مَنْ أَحَبَّنَا، وإِنَّ الشَّارِبَ مِنْهُ لَيُعْطَى مِنَ اللَّذَّةِ والطَّعْمِ والشَّهْوةِ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَاهُ مَنْ هُو دُونَهُ فِي حُبِّنَا، وإِنَّ عَلَى الْكَوثَرِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(ع) وفِي يَدِهِ عَصًا مِنْ عَوسَجٍ يَحْطِمُ بِهَا أَعْدَاءَنَا فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: إِنِّي أَشْهَدُ الشَّهَادَتَيْنِ، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ إِلَى إِمَامِكَ فُلَانٍ فَاسْأَلْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَكَ. فَيَقُولُ: تَبَرَّأَ مِنِّي إِمَامِيَ الَّذِي تَذْكُرُهُ. فَيَقُولُ: ارْجِعْ إِلَى ورَائِكَ فَقُلْ لِلَّذِي كُنْتَ تَتَولَّاهُ وتُقَدِّمُهُ عَلَى الْخَلْقِ فَاسْأَلْهُ إِذَا كَانَ خَيْرَ الْخَلْقِ عِنْدَكَ أَنْ يَشْفَعَ لَكَ، فَإِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ مَنْ يَشْفَعُ [حَقِيقٌ أَنْ لَا يُرَدَّ إِذَا شَفَعَ‏] فَيَقُولُ: إِنِّي أَهْلِكُ عَطَشًا، فَيَقُولُ لَهُ: زَادَكَ اللَّهُ ظَمَأً وزَادَكَ اللَّهُ عَطَشًا. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى الدُّنُو مِنَ الْحَوضِ ولَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ‏ غَيْرُهُ؟

 

فَقَالَ: ورِعَ عَنْ أَشْيَاءَ قَبِيحَةٍ وكَفَّ عَنْ شَتْمِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، إِذَا ذُكِرْنَا وتَرَكَ أَشْيَاءَ اجْتَرَى عَلَيْهَا غَيْرُهُ ولَيْسَ ذَلِكَ لِحُبِّنَا ولَا لِهَوى مِنْهُ لَنَا ولَكِنَّ ذَلِكَ لِشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ فِي عِبَادَتِهِ وتَدَيُّنِهِ ولِمَا قَدْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِهِ عَنْ ذِكْرِ النَّاسِ. فَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُنَافِقٌ ودِينُهُ النَّصْبُ واتِّبَاعُهُ أَهْلَ النَّصْبِ وولَايَةُ الْمَاضِينَ.[17]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. كامل الزيارات، ص108.

[2]. مصباح المتهجد، ج2، ص826.

[3]. ثواب الأعمال، ص98.

[4]. الكافي، ج2، ص226

[5]. الأمالي للطوسي، ص 162.

[6]. عيون أخبار الرضا، ج1، ص294.

[7]. عيون أخبار الرضا، ج1، ص229.

[8] . موسوعة الإمام  الحسين بن علي(ع)، ج6، ص201

[9]. مستدرك الوسائل، ج10، ص318.

[10]. بحار الأنوار، ج44، ص 279.

[11]. الخصال، ج2، ص625.

[12]. الأمالي للمفيد، 340

[13]. ثواب الأعمال، ص83.

[14]. وسائل الشيعة، ج14، ص507.

[15]. كامل الزيارات، ص100

[16]. الأمالي للطوسي، ص55.

[17]. كامل الزيارات، ص101.

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد